بدا المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون في غاية التشاؤم في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن، إذ لا شيء يدعو للتفاؤل، ولا معنى لاستمراره في منصبه كما أشار، إذ لا تقدم على صعيد الحل السياسي وليس واثقاً فيما إذا كان
استمرار مسار جنيف بهذه الطريقة يحمل أي جديد.
في الحقيقة، يشكر بيدرسون على صراحته لكن كما يقال بالعامية بالمثل السوري الشهير “المكتوب مبين من عنوانه”، وأنها “لو بدها تمطر كانت غيمت”، فلو كان الأسد جاداً في التعامل مع مسار جنيف، لكان أقدم على بعض الخطوات
التي تعطي لهذا المسار مصداقية ما، لكن للأسف مفاوضات جنيف هي أشبه باللعبة الصفرية تماماً، فلا النظام لديه الرغبة في التقدم بها ولا المعارضة قادرة أن تفرض أية ضغوطات على النظام.
وما دام النظام يتعامل مع المواطنين السوريين كرعايا ورهائن يتفاوض على استمراره في الحكم بناء على اعتقالهم وتشريدهم، إذا لن يكون هناك معنى لاستمرار هذه المفاوضات التي يفترض منها أن تقود الأطراف جميعاً إلى خطة
وطنية كي تخرج الشعب السوري من محنته اليوم وإلى الأبد.
مشاركة المعارضة في جنيف منذ عام 2012 كان نوعاً من الإحساس بالمسؤولية تجاه الشعب السوري، الذي يمر في محنة إنسانية لم يمر عليه مثلها، وعلى أمل أن تحقق هذه المفاوضات الحل السياسي المطلوب من خلال ما يسمى
اتفاق جنيف الأول، الذي نص على ما يسمى “جسم انتقالي كامل الصلاحيات”، يمتلك الصلاحيات الكاملة بما فيها الجيش والاستخبارات ويشرف على المرحلة الانتقالية، إلى حين إجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة،
تسبقها إجراءات شاملة تشمل عودة المهجرين والنازحين.
لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق، كما لم يستطع النظام تقديم أي إجراءات ثقة تسمح للمعارضة بتبرير مشاركتها، في المعتقلين السياسيين حصراً حيث لم يجر تسليم كل اللوائح إلى الأمم المتحدة لإجبار نظام الأسد على إطلاقهم بدون
أي شروط، ومتابعة شؤونهم بحيث تستطيع المعارضة أن تكسب ثقة الآلاف المؤلفة من العائلات السورية التي لديها معتقلين في سجون الأسد، للأسف لم يتحقق شيء من ذلك خلال العشر سنوات الماضية من مسار جنيف، بعد أكثر من
16 جولة تفاوضية في جنيف بلا معنى أو حتى مبرر لعقدها.
وبالتالي وكما يقال المكتوب مبين من عنوانه، لن تقود المفاوضات التي دعا المبعوث الأممي إلى استئنافها مجدداً إلى أي حل، بل بالعكس تماماً ازداد الوضع على الأرض في سورية سوء وتدهوراً، فارتفع عدد القتلى، وزاد عدد
اللاجئين، أما النازحون في وطنهم ففاق 9 ملايين، وبالتالي أكثر من نصف السكان تعرض للقتل والتهجير والتشريد مع سياسات الأسد التي ازدادت شراسة وهمجية، كما أن الوضع الأمني والاقتصادي في مناطق سيطرة النظام، أصبحت
أشبه بالجحيم حيث الفقر المدقع وانعدام الأمل تماما والخوف من التعذيب والاعتقال ووصول الناس إلى مرحلة الياس المعمم.
إذاً، ما الحل؟
الحل يكمن في عملية تعبئة جماعية للمعارضة بما أسميه عملية “التحشيد المدني” من أجل التغيير، وهذه تشمل المهجرين واللاجئين والسوريين في المناطق المحررة وحتى في مناطق النظام، إنهاء عهد ما يسمى الفصائل
المسلحة، والتوحد تحت راية وطنية واحدة، وبنفس الوقت خلق مناخ سياسي ضاغط دولي وإقليمي وداخلي باتجاه مطالب محددة وواضحة، من مثل الإفراج عن المعتقلين كلهم، وإنهاء وصمة العار “والمسالخ” البشرية التي تستمر
تحت أعيننا، والتركيز على المطالب الإنسانية.
يجب على المعارضة السياسية العمل على تشكيل قطب موازي مؤثر وفعال عبر تكثيف الاجتماعات الدورية، والاتفاق على عدد من الخطوات السياسية ذات الأثر الجماهيري من مثل الدعوة إلى عدد من الاعتصامات السلمية، والعلنية
بشكل مشترك داخل سورية وخارجها.
علينا أن نعتمد على الشباب كشريحة محورية في بناء التراكمات السياسية على أرض الواقع، ففعاليتهم في المشاركة يؤشر على الديمومة والاستمرارية والقدرة على الوصول إلى أكبر الشرائح تأثيراً في المجتمع السوري، بحكم كونه
مجتمع شاب كما يدل على ذلك متوسط العمر لدى المجتمع السوري.
والجزء الأخير من عملية التحشيد تتعلق ببناء استراتيجية واضحة ومحددة الخطوات والأهداف لعملية الانتهاء من الألم، وإشاعة الأمل بأن التغيير في سورية ليس ممكنا فحسب بل قادم بكل تأكيد.
رضوان زيادة