إدارة – الناس نيوز:
بعد أن كوّن بيل غيتس ثروة تزيد قيمتها الصافية على 100 مليار دولار، التزم بتسخير جهده وأمواله من أجل محاولة حل بعض أعقد مشكلات عصرنا مثل “فيروس نقص المناعة المكتسب/الإيدز”، و”السل”، و”الملاريا”، و”كوفيد– 19”. كما يركز أيضاً على حل مشكلات التغير المناخي، وقد نشر للتو كتاباً جديداً بعنوان “كيف نتجنب كارثة مناخية” (How to Avoid a Climate Disaster). يسوق غيتس في كتابه حججاً مقنعة يبيّن فيها أن العالم بحاجة للوصول إلى انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050. وهو يريد من القرّاء أن يعلموا أن تحقيق ذلك الهدف لن يكون سهلاً لكنه في المتناول، ولا سيما إذا ما وجدنا طرقاً لتعزيز الابتكارات الصديقة للبيئة. تحدّث غيتس مؤخراً إلى رئيس تحرير “هارفارد بزنس ريفيو” آدي إغناطيوس، من مكتبه في سياتل. وفيما يلي نسخة منقحة من هذا الحوار.
هارفارد بزنس ريفيو: هناك الكثير من الكتب المنشورة التي تتحدث عن الحاجة الملحة إلى مجابهة التغير المناخي. فلماذا تتحدث عن هذا الموضوع الآن؟
غيتس: لقد بذل جيل الألفية الجديدة جهداً لإقناعنا بأهمية الانتباه إلى التغير المناخي، حتى في مواجهة جائحة “كوفيد–19”. وفي الانتخابات الأميركية التي جرت مؤخراً، منح العديد من المرشحين الأولوية لهذا الموضوع. لذلك فإن لدينا التزاماً. لكن السؤال الأهم هو: هل لدينا خطة للوصول بالانبعاثات الكربونية إلى الصفر؟ أنا أريد أن أسهم بتقديم أفكاري لأظهر ما هو مطلوب لتحقيق الاختراقات التي نحتاج إليها للوصول إلى تلك الغاية.
يبدو أن الكتاب يستعرض التهديد الخطير للتغير المناخي في مقابل ميلك الشخصي إلى التفاؤل. ما هي الفكرة الرئيسة التي تريد إيصالها إلى القرّاء؟
رسالتي هي أن الوصول بالانبعاثات الكربونية إلى الصفر أصعب مما قد يفترض الناس. فالعالم يطلق ما يقرب من 51 مليار طن من الكربون سنوياً. وعندما يفكّر الناس في تخفيض هذه الكمية، فإنهم يميلون إلى التركيز على الأشياء السهلة مثل استعمال مصادر بديلة لتوليد الكهرباء، أو تحويل سيارات الركاب لتعمل على الكهرباء. لكننا بحاجة إلى إحراز تقدّم في مجالات كبيرة أخرى، مثل الخرسانة والإسمنت ذات الانبعاثات القليلة. كما أننا بحاجة إلى ضمان أن تسهم السياسات الحكومية وسلوكيات الشركات وعادات الاستهلاك الشخصي في دعم الحلول.
إلى أي مدى نحن في طريقنا إلى تحقيق انبعاثات كربونية صفرية بحلول 2050؟
إذا تجاهلت تأثيرات الانخفاض المؤقت بسبب الجائحة والأزمة الاقتصادية، فإننا لسنا على المسار الصحيح على الإطلاق. فالانبعاثات مستمرة في التزايد. وإذا ما أردنا الوصول إلى الصفر بحلول العام 2050، فإننا بحاجة إلى رؤية تراجعات هائلة في كل الفئات، على مدار كل السنوات. وحتى لو تمكنا من تخفيض الانبعاثات بمقدار النصف، فإن ذلك سيؤجل وقوع كارثة مناخية فحسب، لكنه لن يقينا منها.
هل هناك أي سابقة لحصول تحول بهذا الحجم؟
لم يسبق أن حدث تغيّر بهذا القدر من قبل. وهو ما يمكن أن يكون أكثر شيء مذهل أنجزته الإنسانية على الإطلاق. سارت عملية تطوير لقاح للتصدي لفيروس كورونا بسرعة، لكن هذه المهمة كانت أسهل بكثير. وقد كانت مبنية على أساس استثمارات لمؤسسة غيتس ومؤسسات أخرى خلال العقد الماضي في مجال الحمض الريبي النووي المراسل (mRNA). وبالنسبة للمناخ، ليس من المهم أن ننفق المال على تقليص استعمال الكهرباء بنسبة 15% مثلاً، فحسب. وإنما نحن بحاجة إلى الاستثمار في الابتكارات التي ستُحْدِث فرقاً حقيقياً.
إذا لم نتمكن من الوصول إلى انبعاثات صفرية، ماذا سيحصل؟
هذا يعني أن درجات الحرارة ستواصل ارتفاعها، والمنظومات الطبيعية مثل الشعاب المرجانية والمناطق القطبية الشمالية ستختفي. وإذا كنت تمتلك مزرعة في كندا، فإنك ستحصل على غلال أوفر عملياً لأن الطقس فيها سيكون أكثر دفئاً. أما إذا كنت تمتلك مزرعة في تكساس أو المكسيك، فإن الأمور ستسوء فيها. ثمة محاصيل مثل الذرة لن تنمو بعدها هناك. وبالنسبة للمزارعين الذين يعيشون على الزراعة بالقرب من خط الاستواء – كما هو الحال في أجزاء من أفريقيا – فإن الوضع سيكون كارثياً، لأنهم لن يجدوا ما يسد رمقهم، حيث لن يكون لديهم ما يكفي من الطعام ليبقوا على قيد الحياة.
تكتب قائلاً إن التغير المناخي قد يتسبب بوفيات تزيد بخمسة أضعاف على الوفيات الناجمة عن “كوفيد–19” بحلول منتصف القرن، وقد يخلّف تبعات اقتصادية أكثر كارثية. لقد كان كوفيد كارثة نشهدها بأم العين. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن الخسائر في الأرواح والدمار كانت ماثلة أمام أعيننا، فالمرء يستطيع أن يرى كيف فشلنا في استجابتنا. فكيف سنستجيب لتأثيرات التغير المناخي التي تعتبر ذات طابع أكثر تجريداً وهي بطيئة الحدوث؟
في حالة الجائحة، لو كانت الولايات المتحدة الأميركية قد اتخذت التدابير التي اقترحتُها أنا والآخرون عندما قرعنا ناقوس الخطر، لكنا في وضع مشابه لوضعي أستراليا واليابان، مع أرقام وفيات متواضعة. أما الاستجابة للتغير المناخي فهي أصعب لأن حجم الابتكار المطلوب أكبر بكثير، والتأثيرات السلبية، كما تقول أنت، لن تظهر إلا بعد فترة طويلة في المستقبل. بالنسبة للجائحة، نحن لم نكن نعلم علم اليقين في أي عام ستقع. ربما كنت عشت حياتي كلها دون أن أشهد جائحة. أما في حالة التغير المناخي، فإن تأثيراته السلبية مضمونة الحصول. لا تزال هناك أسئلة مطروحة. على سبيل المثال، هل سترتفع درجة الحرارة بمقدار 4 درجات أم 5 درجات؟ لكن الكارثة مضمونة ما لم نقلل من الانبعاثات بطريقة دراماتيكية جداً جداً.
هنالك أيضاً مشكلة إنكار التغير المناخي. تحدثت إلى تجمع من المستثمرين مؤخراً ودعوتهم إلى تقديم أسئلة، عُرِضت على شاشة لكي يصوت الجمهور على أكثر قضية يهتم بها. كان السؤال الأكثر شعبية هو: “هل التغير المناخي حقيقي؟” وهنا أتحدث عن أشخاص ناجحين متعلمين تعليماً جيداً يستطيعون الحصول على كل المعارف التي تحصل عليها، ومع ذلك فهم لا يصدّقون قصة التغير المناخي. ما خطبهم برأيك؟
لحسن الحظ، هناك تراجع حاصل في منسوب الإنكار. ولم تعد هناك شركات تحاول تضخيم حالة عدم اليقين في مسعى منها لخدمة مصالحها. لكننا أمام مشكلتين: الأولى هي أنه لا يزال هناك أشخاص ينكرون التغير المناخي، ونحن يجب أن نستميلهم إلى صفنا، ويمكن أن نفعل ذلك جزئياً عن طريق التقليل من تكلفة ما نفعله لتجنب التغير المناخي إلى الحد الأدنى. المشكلة الثانية هي أننا يجب أن نبيّن لمن يصدقون قصة التغير المناخي مدى الصعوبة الحقيقية لهذا التحدي. الأمر لا يقتصر على التنفيذيين العنيدين في قطاعي النفط والكهرباء. فليس بوسعنا إحراز تقدّم حقيقي ببساطة من خلال التخارج من استثمارات هنا وهناك، وربما استعمال قدر أقل من هذا الشيء أو ذاك.
من هو الجمهور الأساسي الذي تخاطبه عبر كتابك؟ هل هم الناس الذين يؤمنون أن التغير المناخي هو أمر حقيقي لكنهم لا يفهمون ما هو المطلوب حقاً لإحداث فرق؟
نعم، هو موجّه إلى الأشخاص الذين يعتقدون أن المهمة ستكون سهلة، أو من يعتقدون أننا بحاجة إلى تحديد البعبع الذي يقف وراء المشكلة. نحن نحتاج حقيقة إلى الكثير من العلم. كما نحتاج إلى زيادة الموازنات المخصصة للأبحاث والتطوير واستقطاب أصحاب المواهب ممن هم في الجامعات والمختبرات، ونحتاج إلى إعادة تفعيل عمليات تمويل كل هذه الأشياء. فأصحاب استثمارات رأس المال المغامر (الجريء) عاشوا حتى الآن تجربة سيئة مع الاستثمارات الخضراء والصديقة للبيئة. نحن بحاجة إلى استقطاب رؤوس الأموال ذات المخاطر العالية التي تتناسب مع الطبيعة البعيدة المدى جداً للمنتجات التي نحتاجها.
ربما يكون هناك تناقص في حجم إنكار التغير المناخي، لكن الجهود التي تتحدث عنها ستحتاج إلى توافق غير موجود حالياً في الآراء. وكما تعرف حق المعرفة فإن هناك ضغوطاً من المناهضين للعلم والمناهضين للخبراء في المجتمع ولا بد من أخذهم بالحسبان.
أعتقد أن أعداد المناصرين ستزداد عندما يرون حرائق الغابات والأعاصير الناجمة جزئياً عن التغير المناخي. كما أعتقد أن الشباب الأحدث سناً أكثر انفتاحاً على الاستثمارات البعيدة المدى التي نحتاجها لأنهم يفكرون في شكل العالم الذي سيعيشون فيه. لكننا يجب تجنب قول إن هذه الجهود سوف تحرف الأموال عن الأشياء المهمة الأخرى التي تمولها الحكومة.
أطلقت شخصياً مصطلح “العلاوة الخضراء” (Green Premium) لتحديد المبلغ الإضافي الذي نحتاج إليه لتسديد ثمن بدائل لا ينبعث منها أي كربون للمنتجات الحالية. إذا كانت العلاوة الخضراء هذه منخفضة، فإننا يجب أن نتبنى البديل. أما إذا كانت مرتفعة، فعندها يجب أن نوجه عمليات البحث والتطوير والاستثمارات إلى تلك المنتجات.
المقياس الأساسي الذي نستعمله في معرض سعينا للوصول إلى انبعاثات كربونية صفرية هو إلى أي مدى نحن نعمل على تخفيض هذه العلاوات إلى مستوى مقبول. إذا تتبعنا الابتكارات التي تسهم في تقليل هذه العلاوات، فإن ذلك سيمنحنا إحساساً بما إذا كنا سنصل إلى الصفر أم لا. فإذا كان ذلك لا يتحقق، فإننا سنكون بحاجة إلى زيادة موازنات الأبحاث والتطوير بمقدار أكبر حتى من أجل إيجاد منتجات جديدة. وعندما تصل أسواق هذه المنتجات إلى حجم معيّن، فإن ذلك سيساعدنا في أن نخطو خطوة إضافية إلى الأمام.
ماذا عن العنصر السياسي؟ في الولايات المتحدة الأميركية لديك رئيس يصدر أوامر لحماية البيئة يأتي بعده رئيس يصدر أوامر يتراجع بموجبها عن هذه الحمايات؟ إذا لم تكن الغاية واحدة، كيف سنبلغ الهدف المنشود؟
كلما تمعنتَ في السياسة أكثر، تكتشف أكثر أن المقاربة القاسية المتمثلة في الاستمرار بدفع هذه “العلاوات الخضراء” هي مقاربة غير مقبولة وغير معقولة. والابتكار هو السبيل الوحيد لحل هذه المعضلة. نعم، نحن بحاجة إلى سياسات جيدة، وإلى موازنات أكبر تخصص للأبحاث والتطوير. كما أننا بحاجة إلى ضريبة كربون وتدابير أخرى لتقليل الطلب على الطاقة. وقد كانت هناك حوافز ضريبية كبيرة مُنِحَت للاستثمار في ألواح الطاقة الشمسية وهي سياسة ظلت مطبقة في عهود إدارة كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في أميركا. وقد ساعدت هذه الحوافز في تسريع عملية التعلم بحيث انتفت الحاجة تقريباً إلى تقديم أي دعم مالي حكومي. وأصبح بالإمكان الآن استثمار تلك الأموال في المجالات التالية مثل القدرات التخزينية للبطاريات، ووقود الطائرات، والفولاذ، والإسمنت. ستظل السياسات مهمة، لكن تريليونات الدولارات من الاستثمارات التي اقترحها المرشحون قبل انتخابات عام 2020 في أميركا لن تظهر على الأغلب، وإنفاق هذا القدر من الأموال يُعتبر تضحية كبيرة غير مطلوبة. نحن بحاجة إلى خطة تكلف عشرات المليارات، وليس تريليونات، وتعزز الابتكار.
إذاً في نهاية المطاف، الأمر كله يتوقف على الابتكار؟
لا أعتقد أننا قادرون على تجنّب الكارثة المناخية دون ابتكار. فإذا ما أخبرتني أن العلم قد أصيب بالجمود وأنك مضطر إلى اتخاذ قرار سياسي بخصوص إجراء المقايضات الصائبة، فإن الأمر لن ينجح. أنت لا تستطيع إجبار الهند مثلاً على إيقاف الانبعاثات الصادرة عنها في الوقت الذي لا تلزم الدول الأخرى بالسير في الطريق ذاته. نحن لا نستطيع حل هذه المشكلة دون ابتكار. إنفاق عشرات المليارات على الابتكار يعني تخصيص نسبة مئوية متواضعة بما يكفي من الموازنة وأعتقد أننا قادرون على الحصول على موافقة الحزبين الديمقراطي والجمهوري على المضي قدماً في تطوير هذا العمل بغض النظر عن هوية الحزب الذي يشغل السلطة.
كيف تزيد المعروض من الابتكار؟
لدينا بعض النماذج. في عالم الطب، مثلاً، تنفق الولايات المتحدة الأميركية ما يقرب من 40 مليار دولار سنوياً على المعاهد الوطنية للصحة. وقد قاد ذلك إلى تحقيق تقدّم كبير في معالجة السرطان وفي مجالات أخرى، والكثير من الشركات التي تعمل انطلاقاً من الولايات المتحدة الأميركية تصنع المنتجات التي انبثقت عن تلك الأبحاث. أعتقد أن هناك الآن فرصة ما للحصول على دعم الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس الأميركي للمزيد من الأبحاث المتعلقة بالمناخ. أما الخطوة التالية فتتمثل في استقطاب رؤوس الأموال المُغامِرة (الجريئة)، حيث ساعدت أنا شخصياً في إنشاء صندوق “بريكثرو إينرجي فينتشرز” (Breakthrough Energy Ventures)، وهو صندوق لرأس المال المغامر (الجريء) يريد تحقيق اختراقات في مجال الطاقة. يقود الصندوقَ مجموعةٌ من المستثمرين وهو يخاطب الجامعات والمختبرات الوطنية بحثاً عن المشاريع الجاهزة للتطبيق. هو صندوق يركز على المدى البعيد ويتحلى بصبر أكبر بالمقارنة مع صناديق رأس المال المغامر المعتادة، وهذا الأمر سوف يساعد في تسريع الرحلة من المختبر إلى السوق.
تحدثنا على مر السنين عن أهمية الطاقة النووية في إنشاء ثقافة خالية من الكربون. وكتابك يتطرق إلى هذا الموضوع بحذر ويمر عليه مرور الكرام. هل السبب في ذلك هو أنك تشك في وجود إرادة جادة في السعي نحو الطاقة النووية، وتحديداً في الولايات المتحدة الأميركية؟
توليد الكهرباء عملية صعبة بسبب الطبيعة المتقطعة للمصادر النظيفة مثل طاقتي الرياح والشمس. أحد الحلول الممكنة لهذه المشكلة هو تحقيق معجزة في تخزين الطاقة، عبر بطاريات أحسن بعشرين ضعفاً من البطاريات الموجودة اليوم. للأسف، هناك احتمال كبير ألا نتمكن من تحقيق هذا الهدف. عوضاً عن ذلك بوسعنا الاعتماد على الانصهار النووي، وإن كانت هناك مشكلة مجتمعية ضخمة تخص مقبولية هذا النوع من الطاقة بسبب مسائل لها علاقة بالسلامة، كما أن المفاعلات التي بُنيت كانت باهظة الثمن جداً وغير مُجدية تجارياً. لكننا بحاجة إلى طاقة من مصدر ما. نعم، لم أكن أرغب أن يظهر الكتاب وكأنه يروّج لشركة “تيراباور” (TerraPower). (وهي شركة متخصصة بتصميم المفاعلات النووية شارك غيتس في تأسيسها وهو يترأس مجلس إدارتها). بطبيعة الحال أي أموال أجنيها من ذلك ستذهب إلى مؤسسة غيتس، فأنا لا ينقصني المال. أردت في الكتاب أن أكون حيادياً بخصوص المسارات المختلفة التي تقود إلى الطاقة الأنظف.
هل هناك نقطة اللاعودة في التغير المناخي؟
ليست هناك لحظة من الزمن يحترق العالم فيها ويختفي فجأة. وإنما المسألة فحسب هي ما عدد الناس الذين سيموتون وما عدد المنظومات البيئية التي ستختفي؟ في لحظة ما من الزمن، ستصاب غابات الأمازون باليباس وستتحول إلى سافانا. وفي نهاية المطاف، لن يكون هناك جليد في القطب الشمالي أو دببة قطبية أو شعاب مرجانية. وأنت لن تكون قادراً على زراعة المحاصيل. غالباً ما يقول الأشخاص الذين يتحدثون عن التغير المناخي إن هناك نقطة تحول سحرية، لكننا لا نعلم ذلك. كل ما نعرفه هو أننا إذا ما تجاهلنا التغير المناخي، فإن هذه المآسي البيئية والإنسانية ستحصل في نهاية المطاف. إحدى الحقائق الحزينة هي أن هناك تأخراً في هذا النظام إلى حد أننا حتى لو وصلنا بالانبعاثات إلى الصفر، فإن درجات الحرارة لن تصبح أبرد إلا خلال عقدين من الزمن. لذلك على الأغلب لن أكون على قيد الحياة في السنة التي ستكون أبرد من السنة التي سبقتها.
كيف تضمن أن يكون هذا الجهد جهداً عالمياً بحق؟
الجزء الصعب في الأمر هو أنه حتى لو التزمت حكومات الدول الغنية بالمطلوب، فإننا بحاجة إلى جعل الأمر جاذباً في نظر الدول الأقل ثراء لكي تحذو هي الأخرى حذو الدول الغنية. فالناس في الدول النامية يستحقون الحصول على المزيد من المأوى والمزيد من الكهرباء ويحق لهم أن يكونوا قادرين على التحرك هنا وهناك. لا تزال أماكن مثل الهند بحاجة إلى المزيد من هذه الخدمات التي تؤدي إلى انبعاثات كربونية كبيرة من أجل توفير أسلوب حياة لائق لشعوبها. لذلك، فإن الأمر يعود إلى الدول الغنية، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، التي لديها قدرات كبيرة في مجال الابتكار للاستثمار وطرح مقاربات تساعدنا في الوصول إلى انبعاثات صفرية.
ما الذي يمكن للشركات الإفرادية أن تفعله للمساعدة في دفع المهمة قدماً؟
لدى أصحاب العمل الكثير من القدرة الشرائية. وهم قادرون على شراء وقود طيران نظيف لأساطيل طائراتهم الخاصة. وبوسعهم استثمار رؤوس الأموال في شركات عالية المخاطر قادرة على تحقيق الاختراقات. كما أن بمقدورهم ضمان عدم إعاقتهم للتقدم المحرز.
ماذا عن المؤسسات الاستثمارية الكبيرة؟ إذا انسحبت من الكربون، ألن يكون ذلك مفيداً؟
لا، على الإطلاق. فقد يكون إخراج رؤوس الأموال من الوقود الأحفوري من المواضيع اللطيفة التي يمكن الحديث بشأنها في حفلات الاستقبال التي تذهب إليها. لكن السؤال المطروح هو هل سيتوقف الناس عن استخدام الإسمنت لأن مستثمراً في “وول ستريت” يتخارج من استثماراته؟ ما هي النظرية الكامنة وراء ذلك؟ ليس هناك أي ارتباط بين الأمرين. أما إذا استثمرت الشركات الكبيرة عوضاً عن التخارج من الاستثمارات، أي إذا ما مولت الابتكارات ذات المخاطر العالية المرتبطة بالعلاوات الخضراء، فإنها ستكون وقتها جزءاً من المكاسب المتحققة.
وما الذي تأمل في رؤيته من الحكومة؟
في الديمقراطيات، نحن بحاجة إلى أن يهتم الناس بالأفكار الخضراء الداعمة للبيئة والترويج لها حتى يشعر السياسيون أن هناك واجباً يقع على عاتقهم للعمل في هذه المجالات. فإذا لم تسهم الحكومة في زيادة الطلب على المنتجات الجديدة – من خلال السماح بترخيص استعمال الفولاذ بطريقة جديدة تستهلك قدراً أقل من الكربون، مثلاً – فإننا لن نصل إلى انبعاثات صفرية في غضون 30 عاماً.
ما الذي بوسع الأفراد فعله لإحداث فرق؟
بوسعهم شراء منتجات نظيفة مثل البرغر الذي تصنعه شركة “إيمبوسيبل” (Impossible) أو السيارات الكهربائية. وبوسعهم محاولة استعمال مواد أقل. وبمقدورهم تغيير أنماط استهلاكهم بحيث يمكن نشر المنتجات النظيفة على نطاق واسع بما يسمح لتكاليفها أن تنخفض. وبوسعهم أيضاً استعمال أصواتهم لانتخاب السياسيين المستعدين لدعم ما نحتاجه من سياسات وتمويل للأبحاث والتطوير وذلك لحل مشكلات التغير المناخي. لو كنت أستطيع أن أطلب من الولايات المتحدة الأميركية أن تحقق لي أمنية لكنت طلبت منها أن يكون إنفاق عشرات المليارات المطلوبة لدعم الابتكار موضوعاً يحظى بالأولوية لدى كل الأحزاب. ونحن بحاجة إلى إعلاء الناس لصوتهم في هذا المجال.