د. أحمد برقاوي – الناس نيوز ::

جاء حين من الدهر انتشرت الأيديولوجيات في عموم العالم العربي .
وكان لحضور هذه الأيديولوجيات وظيفة إيجابية من جهة ووظيفة سلبية من جهة ثانية.
من حسنات الأيديولوجيات القومية والإشتراكية والشيوعية بأنواعها المختلفة ،وخاصة في بلاد الشام والعراق ،بأن المنتسبين إليها من جميع الأصول الدينية توحدوا حول فكرة غير دينية باستثناء الإخوان وحزب التحرير الإسلامي.
فالأحزاب الشيوعية ضمت كل الأطياف الشامية والعراقية،من الكردي إلى العربي إلى الشركسي إلي المسلم بكل أطيافه والمسيحي.
البعث بكل انشقاقاته كان يضم المسلم السني والعلوي والشيعي والدرزي والإسماعيلي والمسيحي.وقس على ذلك الحزب السوري القومي،والأحزاب الناصرية ،وحركة القوميين العرب.
كان أمين عام البعث مسيحياً،وأمين عام الحزب الشيوعي في سوريا كردياً،والحزب الشيوعي العراقي كان أمين عامه السرياني العراقي الشهيد يوسف سلمان يوسف (فهد)سريانياً، وعبد الناصر مسلماً.
لكن الصراعات بين هذه الأحزاب الأيديولوجية كان دموياً وبخاصة في العراق، وعنفياً في سوريا وبخاصة بين القوميين العروبيين والقوميين السوريين وكذلك بين العروبيين والشيوعيين السوريين ،وبين الناصريين والبعثيين .
وبدا بأن هذه الأيديولوجيات قد حررت المثقفين المنتسبين إليها من الذهنيات الدينية.
ولكن ذلك لم يحدث كما تثبت التجربة التي نعيشها الآن،فالبنى الذهنية بطيئة التغير، بل وعنيدة أحياناً، والبنية الذهنية هي جملة المعتقدات والأفكار والعادات والقيم والحياة النفسية التي تكونت في بنى اجتماعية قديمة، وحافظت على وجودها ردحاً طويلاً.
وسبب ذلك عصبية السلطة التي سادت وعولت على عصبة طائفية أو قومية أو مناطقية.
فإذا الذهنية الدينية والقومية تظهر بكل عنفها عند جمهور من المثقفين التي قدمت بالممارسة النظرية والعملية في يوم من الأيام ،صورة من صور القطيعة مع ذهنيات الإنتماء الديني والطائفي والقومي.
والحق إن عودة جمهوراً من المثقفين إلى حظائر الذهنيات الطائفية والقومية هو مظهر من مظاهر التراجع التاريخي في الوعي والممارسة.
فهزيمة المجتمع السياسي والمدني وتعدد الأحزاب السياسية وظهور الدكتاتوريات الكريكاتورية قد حرمت المجتمع من التقدم التاريخي للوعي ،
ففي مرحلة قصيرة عاد بعض الشيوعيين العراقيين إلى ذهنيتهم الشيعية
وبعض السنة إلى ذهنيتهم السنية وبعض الدروز إلى ذهنيتهم الدرزية،وبعض العلويين إلى ذهنيتهم العلوية، ووبعض شيوعيي الأكراد إلى وعيهم القومي الكردي وهكذا.
والحق بأن المثقفين الفلسطينيين الذين تربوا في المجتمع السياسي الفلسطيني في فتح والشعبية والديمقراطية والحزب الشيوعي والصاعقة قبل ظهور حماس والجهاد ومثقفيها لم يعيشوا الشعور الذي تخلقه الذهنية الدينية سواء في الداخل أو في الخارج،دون إنكار الحماقات الأيديولوجية التي هي من شيمة الأيديولوجيا، وآية ذلك الشعور بالوطنية الفلسطينية المكافحة… .





