ملبورن – الناس نيوز ::
تعرض قطاع البناء في الأشهر القليلة الماضية إلى ضربات قوية مع انهيار شركات بناء كبرى. ومنها إحدى أكبر الشركات الأسترالية Porter Davies التي أعلنت إفلاسها.
جاء ذلك قبل ساعات على اعلان انهيار شركة Lloyd Group المتخصصة في مشاريع حكومية وعلى مستوى البلديات.
وقد ترك انهيار شركة Porter Davis 1700 عقار في ولايتي فيكتوريا وكوينزلاند في مهب الريح، بينما يبقى مصير أكثر من 50 مشروعا لشركة Lloyd Group غير واضح.
وتظهر بيانات مفوضية الائتمانات والاستثمارات الاسترالية المعروفة ب ((ASIC)) أن ما يقرب من 1500 شركة في قطاع البناء قد تعرضت إما للتصفية أو الحراسة القضائية أو أصبحت تحت إدارة أخرى ابتداء من العام المالي الحالي ولغاية الآن.
وإذا ما قارنا هذه البيانات مع بيانات العام المالي الماضي بأكمله نجد أن عدد الشركات التي انهارت في عام 2021 – 2022 كان 1284 شركة.
وتوضح خبيرة قانون البناء من جامعة موناش البروفيسور باولا غربر أن هناك عوامل عديدة للانهيار، لكن ماذا يعني هذا الشيء للزبائن ذوي مشاريع غير مكتملة مع هذه الشركات؟
تقول غربر: “ستختلف النتيجة اعتمادًا على الشوط الذي قطعته مرحلة البناء في أي مشروع. فإذا كان قريبًا من النهاية ، فقد يكون بإمكان الزبون إيجاد شركة أخرى لإنهاء اللمسات الأخيرة بسرعة. لكن المشكلة الأكبر تكمن عندما يكون العمل قد بدأ ولكنه لم يكتمل، أو لم يكتمل حتى 50 بالمئة منه. وبعد ذلك يُطلب من شركة بناء أخرى أن تأتي وتتحمل مخاطر العمل الذي قامت به الشركة السابقة. وهذا ما تضعه الشركة الجديدة في حساباتها، وتزيد الكلفة في العرض الذي ستقدمه للزبون لإنهاء الوظيفة”.
الكثيرون يلقون باللوم على النقص في اليد العاملة وارتفاع أسعار مواد البناء. لكن البروفسور غربر تقول إن هناك قوانين تخضع لها الشركات الاسترالية، والمشكلة تكمن في هذه القوانين.
وتقول إن قانون عقود البناء المنزلية، على سبيل المثال، أصبح فاقد الصلاحية لأنه يقيد نوع العقود، و يحصر شركات البناء وأصحاب المنازل في عقد بسعر ثابت.
فبينما تمنح هذه الشروط مالك المنزل حالة من اليقين بشأن التكاليف ، إلا أنها لا تسمح بعقود “التكلفة الإضافية” الأكثر مرونة والتي تسمح للشركات بحساب كلفة العمالة والمعدات قبل معرفة هامش ربحها، بحسب البروفسور غربر.
وتشرح البروفسور غربر كيف يمكن للعقود الأكثر مرونة أن تضمن أن لا تقع الكلفة كاملة على شركات البناء عندما ترتفع أسعار مواد البناء.
“عندما يرتفع سعر دعامات السقف بنسبة 50 في المائة في عقد مبلغ مقطوع ، يتعين على شركة البناء تحمل ذلك. لذا فجأة ، تتلاشى كل أرباحها. ويمكن رؤية ذلك خاصة عندما تكون الأرباح ضئيلة إلى حد ما منذ البداية، حيث تؤدي زيادة كلفة العمالة والمواد إلى تآكل الأرباح ومن ثم يكون من الأفضل للشركة بالفعل أن تترك المشروع وتذهب إلى التصفية ، بدلاً من الاستمرار في أداء وظيفة خاسرة”.
قامت الحكومة الفدرالية بتقديم محفزات للبناء خلال جائحة كوفيد 19، على الرغم من النقص في الامدادات والعمال للعمل في هذه المشاريع.
وتقول Denita Wawn وهي المديرة التنفيذية لجمعية البنائين في أستراليا Master Builders Australia إن العقود التي أبرمت خلال فترة كوفيد لم تأخذ بعين الاعتبار الارتفاع اللاحق في أسعار المواد ، نتيجة للحرب في أوكرانيا وارتفاع التضخم
“في البداية خلال Covid ، كان لدينا نقص كبير في المواد ، ومن ثم الموظفين ، ونتيجة لذلك ارتفعت الأسعار بشكل كبير . ثم ظلت الأسعار مرتفعة بشكل غير عادي مع ارتفاع التضخم في كل نواحي الاقتصاد. وعندما تضيف التأخيرات أيضًا نظرًا لأنه لا يمكنك الحصول على العمال عندما تتوقع منهم القدوم الى العمل ، فإن هذا يعني أن الشركة تجد نفسها عالقة مع كل هذه الزيادات المذهلة في التكلفة التي لم تكن متوقعة في عقود السعر الثابت الموقعة قبل 12 أو 18 شهرًا.”
وتضيف المديرة التنفيذية لجمعية البنائين، بأنه في العادة، هذه المشاكل توقع الشركات الصغرى في الإفلاس، لكنها الآن تؤثر على الشركات الأكبر، ولذلك تؤثر على عدد أكبر من الزبائن.
انهيار شركات البناء لا يؤدي فقط إلى تقطع سبل الزبائن، لكنه ترك آلاف العمال دون عمل، أيضا
على سبيل المثال، قد تكون شركة Simonds Group تجنبت الانهيار، لكن بحسب تقارير صحفية، فإن الشركة استقطعت 10 بالمئة اضافية من موظفيها كرد فعل على تراجع المبيعات.
كما وأن عددا كبيرا من أصحاب المهن الحرة لم يتلقوا مدفوعات على أعمال أنجزوها.
ودعا زاك سميث وهو أمين سر نقابة عمال البناء الحكومة لإدخال إصلاحات طارئة تدخل ضمن القانون من اجل حماية مدفوعات العمال.
أما رئيسة الاتحاد الوطني للنساء في قطاع البناء كريستينا ياكوبوس فتقول إن أحد الحلول لأزمة النقص في اليد العاملة، هو في تشجيع المزيد من النساء على دخول قطاع البناء.
“نحن نعلم أن المؤسسات والقطاعات التي تتمتع بمشاركة أفضل من النساء، تعمل بشكل أفضل، بشكل عام. وهذا يعتمد على دراسات حقيقية . إن إنشاء طريقة آمنة للنساء للدخول في وظائف البناء سيساعد في تخفيف بعض الضغط ويحل الكثير من المشاكل الموجودة.”
وتوافق البروفسور غربر الخبيرة في قوانين البناء في جامعة موناش، على أن قطاع البناء يعاني من خسائر كبيرة بسبب فشله في استقطاب اليد العاملة النسائية.
وتقول إن على قطاع البناء أن يفكر بطريقة مبتكرة في كيفية جذب النساء، سواء كان من خلال وضع أهداف معينة أو تقديم محفزات اقتصادية.
“إنه قطاع ذكوري. المساواة بين الجنسين في قطاع البناء هي الأسوأ في البلاد ، وتأتي في المرتبة الثانية بعد قطاع التعدين. ربما يكون هذا هو الحافز لنا للبدء في جذب مزيد من النساء إلى صناعة البناء والاحتفاظ بهن. وهذا سيكون له فوائد غير مباشرة في جميع المجالات. فللنساء أنماط تواصل مختلفة ، وطرق استجابة مختلفة للمشكلات ، وتقنيات مختلفة لحل المشكلات. لذلك إذا كان لدينا تنوع معرفي أكثر في هذا القطاع فسنرى بعض هذه المشكلات تدار بشكل مختلف قليلاً، وأفضل قليلاً.”
الحل الآخر هو بإصلاح العقود الثابتة الكلفة، كما تقول البروفسور غربر. وتقول إن استخدام حسابات الثقة في العقود السكنية يمكن أن يوفر قدرًا أكبر من الأمان.
حيث تقترح أن يقوم الزبون بوضع المبالغ المالية في حساب خاص تستخدمه شركة البناء فقط لمشروع الزبون، وليس لتغطية تكاليف أخرى، مثل أن يتم دفع أجور العمال ومواد البناء لمنزل الزبون المحدد فقط، فإذا اضطرت الشركة للتصفية، يحصل الزبون على المبلغ المتبقي في حسابه الخاص.
وفي حالة شركة بورتر دافيس، فإن عددا من الزبائن قد يخسرون الأموال التي دفعوها كعربون للشركة لأنهم لم يكونوا تحت غطاء شركات التأمين. وتقوم حكومة فيكتوريا حاليا بالتحقيق لمعرفة ما اذا كانت شركة بورتر دايفس قد خالفت القانون بترك زبائنها غير مؤمنين بعدما أخذت مبالغ العربون.
واليوم تم الإعلان عن احتمال قيام شركة أخرى باستلام مشاريع شركة بوتر دايفس.