[jnews_post_author ]
أثارت تصريحات الرئيس ماكرون حول أزمة الإسلام جدلاً شديداً، وازداد طرح السؤال حدة وجدية، لماذا يقدم رئيس دولة عظمى لديه أكثر من ستة ملايين مسلم على توجيه اتهام بهذا الوضوح للمسلمين.
بالطبع كان التصريح مناسبة لإثارة الغضب الإسلامي، وتوالت التصريحات والبيانات التي تندد بموقف فرنسا الصليبية اللائكية المعادية للأديان، وأن ماكرون ليس إلا شارل السادس يستعد لعودة محاكم التفتيش، وأن علينا أن نستنهض الغضب الإسلامي في كل مكان لردع هذا التجرؤ الوقح على الإسلام والمسلمين، ولا بد من غضبة مضرية ماحقة تجعل باريس مربط خيلنا.
لا يعنيني ماكرون ولا أبرئ نواياه، ولا أجهل أن في فرنسا تياراً يمينياً شديد العنصرية، ولكن نخدع أنفسنا إذا قلنا إننا لسنا في أزمة، فأول الشفاء أن تعترف أنك مريض، وأن تدرك أن العافية لن تجد سبيلها إليك إلا بعد أن تتعرف جيداً إلى مرضك.
نعم قناعتي أن الإسلام في أزمة، ولا يهم أن نقول الإسلام أو المسلمين، فالنتيجة واحدة وهي أن هناك ما يستدعي التغيير في المسلمين، وهناك ما يستدعي التغيير في تراثهم أيضاً.
ليست لدي شكوك في أن الرسالة كما جاء بها صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام كانت رسالة خير ومحبة وإيمان، وإرادة بناء وتغيير، وكفاحاً من أجل الحرية والخلاص، ولكن يجب الاعتراف أنه لم يبق من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، وهو ما تنبأ به الرسول نفسه!
كيف لا نكون في أزمة ونحن نعاني الحروب الدينية منذ معركة الجمل وصفين إلى الحرب العراقية الإيرانية إلى حرب الفصائل والمراقد في العراق وسوريا، إلى حرب اليمن وعلى رأس هذه الرايات هيهات منا الذلة ويا لثارات الحسين أو خلافة على منهاج النبوة…
كيف لا نكون في أزمة ونحن في آخر قوائم الأمم في التنمية والازدهار والتعليم وأولها في الجهل والفقر والبطالة؟
كيف لا نكون في أزمة وستٌ من الدول الفاشلة العشرة في العالم هي بلاد إسلامية: سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا والصومال؟
كيف لا نكون في أزمة ونحن أعلى بلاد الدنيا تصديراً للاجئين والنازحين، وأكثر أمم الأرض اشتعالاً واحتراقاً وجذباً للمستعمرين والمحتلين والبلطجيين؟
كيف لا نكون في أزمة ولا يزال خطباؤنا ومشايخنا يرون وجوب اختمار المرأة بالسواد من رأسها إلى أخمص قدميها، وخير أحوال المرأة أن لا يراها الرجال ولا ترى الرجال ونجعل أي اتصال لها بالعالم من حولها ريبة ومصيبة.
كيف لا نكون في أزمة ونحن نعلم أولادنا أن الأديان كلها كفر وجاهلية، وأن 999 بالألف من الناس مجرمون وفاشلون وقد أعد لهم الله ناراً تشوي وجوههم كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب!!
والرقم هنا ليس اجتهادا أو تحاملا بل هو بالضبط الرقم الذي وزعه عدد من رواة الأحاديث الصحيحة أن الله يقول لآدم أخرج بعث النار فيخرج من كل ألف 999!!
كيف لا نكون في أزمة وقد شهدنا عصر داعش بكل دمائه وتوحشه وكوارثه ولكننا لم نغير حرفاً من المناهج التي مارسوها بدقة وحرفية، ولا نزال ندرس أطفالنا أننا أمرنا بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، وأننا مأمورون أن ندعوهم للإسلام أو الجزية أو السيف، ومع ذلك نقرأ بالتجويد والترتيل قول الله تعالى: لا إكراه في الدين، ونقرأ قوله تعالى: فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر؟
والمؤسف أننا بتنا في موضع من يدفع الجزية ولا يملك السيف، ولكننا لا نزال نكرر الماضي الأسود بكل جنونه ونرفض العودة إلى جوهر الرسالة التي هي رحمة للعالمين.
كيف لا نكون في أزمة ونحن في ذيل قوائم الأمم في التنمية والاستقرار والتعليم والصحة ومع ذلك لا نفتأ نعلم أولادنا أننا خير أمة أخرجت للناس وأن العالم كله لا معنى له ولا كرامة حتى يترك ما هو فيه من ضلال وكفر ويلتحق بركبنا العاثر؟
أن نكون في أزمة لا يعني أننا سيئون، فنحن أمة بين الأمم يصيبنا ما يصيبها، ولكن يعني أن علينا أن نعترف بالمشكلة ونعمل للحل.
أرجو أنني لا أجني على هدفي في إثارة المواجع، فهناك أيضاً جيل عريض من المسلمين بات يحقق نجاحات كثيرة في الأرض، وهناك تيارات كبيرة باتت تمارس نقداً إيجابياً وتحقق نجاحات كثيرة ولكننا ما زلنا نحتاج الكثير.
الصراحة مؤلمة ولكنه قانون قرآني إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
————————————
الشيخ الدكتور محمد حبش