[jnews_post_author]
الزاوية التي سأتناولها من خطاب الأسد في جامع الكويتي بدمشق هي موقفه من الحضارة الغربية الفاسدة أو الليبرالية الحديثة كما يسميها، والتي اختار أن يعرفها ويشرحها في محراب المسجد وبحضرة المشايخ من رجال الدين: هي الحضارة التي تريد أن تتسلل إلى بلادنا وتعلمنا المخدرات والشذوذ وتسجل الولد من دون دين وتنتج الخبز بنكهة المخدرات، وتريد أن تفصل بين الدين والدولة!!
وبعيداً عن الممارسات الأمنية التي لا تزال رسمياً تطارد وتحاسب من يصرح بهذه المطالب (الإخوانية) الظلامية والإسلام السياسي الذي يرفض الفصل بين الدين والدولة، فإنني أود بالفعل المقارنة بين الخطاب البعثي المقاوم للغرب وبين الخطاب الانفعالي الذي يمارسه رجال الدين منذ عقود طويلة وهم يحذروننا من الحضارة بهذه الصيغ التحقيرية بالذات.
بات من الواضح أن رجال الدين ورجال السياسة في بلادنا يخدمون هدفاً واحداً وهو تغريبنا عن العالم وتشويه الحضارة الإنسانية الهائلة التي حققت إخاء الأديان وكرامة الإنسان واختصارها في دعوات الشذوذ والمخدرات.
هذه الرسالة كانت الأكثر حضوراً في مسامعنا في كلية الشريعة حين كنا طلاباً وكان الدكتور تلو الدكتور يبادرنا بالحديث عن شيء واحد وهو بؤس الحضارة وفشلها وعجزها وكفرها وفسقها وأنها حضارة دعارة وشذوذ ومخدرات.
يؤلمني أن الشذوذ والمخدرات له أسواقه في هذا الشرق أكثر من أسواقه في عالم الحضارة، ولو سألت غوغل عن أكبر صفقة مخدرات في العالم أو في التاريخ فستجد أن دولاً عربية وإسلامية تتفوق على دول العالم المتقدمة، وفي هذا العام بالذات سجلت في إيطاليا أكبر صفقة مخدرات في التاريخ قادمة من ميناء اللاذقية!! ولو سألت عن أعلى معدل جرائم اغتصاب أو تحرش فستجد أننا فيها سابقون على الرغم من كل أوهام الفضيلة التي نتغنى بها، وتصنف بعض البلاد العربية كأخطر بلاد العالم في التحرش (في دراسة للمركز المصري لحقوق النساء فإن 83% من المصريات تعرضن للتحرش 2008) ولو كانت لدينا إحصائيات حرة موضوعية في التحرش والاغتصاب والشذوذ لقلبنا جداول العالم رأساً على عقب!
هل نخدم الحقيقة والواقع إذا قلنا إن الحضارة ساقطة أخلاقياً وإن علينا أن نحصن أولادنا من رياح الحضارة العاتية التي تستهدف استئصالنا بجنون العولمة وبؤس الإباحية؟
أما المبرر الذي يسوقه الاستبداد دوماً لتحصين جدران الكراهية ضد العالم المتحضر فهي أنهم يتآمرون علينا، ويخططون لسرقة خيراتنا، ويضيف المتشددون في طنبورهم نغماً أنهم يريدون تنصير المسلمين وإخراجهم من دينهم.
ومن المحزن أن هذا الخطاب هو خطاب الدول الفاشلة فقط التي تعيش وهم المؤامرة من حولها في العالم، وتبرر فشلها في النجاح والتنمية بوجود التآمر المستمر على خيرات الشعوب.
والبلاد الفاشلة ليست مصطلحاً غائماً أوهلامياً إنها البلاد التي تعيش فوضى الأمن والاستقرار والاقتصاد وهي تحديداً خمسة: سوريا والعراق واليمن وإيران وليبيا، وهو أيضاً الواقع العربي البائس الذي تسبب قبل خمسين عاماً في تشريد الفلسطينيين ونجاح المشروع الصهيوني ..
هذه البلاد الخمسة تعاني بالفعل من تدخل الجيوش الأجنبية في محيطها، ولكننا لا نحتاج إلى عرافين وبصارين لنفهم سبب مجيء الاحتلال؟؟
حروب أهلية طاحنة… لجوء ملايين الأفراد إلى الغرب بالبحر والبر.. سجون تضج فيها الدنيا من التعذيب.. عشرات الآلاف يعتقلون أو يقتلون لأسباب سياسية.. براميل يلقيها الاستبداد على رؤوس الناس، يدمر من يشاء بغير حساب….
هل جاءت الاحتلالات والشمس ساطعة والعصافير تزقزق أم جاءت في غمار الحروب الطاحنة اللئيمة والديكتاتوريات المتوحشة التي تسببت في ألعن موجات قهر وهجرة في التاريخ!!
أما المستبد فجوابه جاهز دوماً لقد جاؤوا لسرقة خيرات بلادي، ولديهم مخططاتهم الاستعمارية الجديدة، وأن الاستعمار يغادر بثوب ويرجع بثوب وهو اليوم في القماط الإمبريالي الجديد قادم لمص خيراتنا وسرقة ثرواتنا.
يحق لنا أن نسأل أين هي هذه المؤامرات الدولية والعالمية في 53 دولة إسلامية في العالم أنجزت استقلالها وسيادتها، ولا تطمع أمريكا ولا العالم الحر كلها بتمرة من ثمارهم أو قطرة نفط من آبارهم إلا بيعاً أو قرى؟؟
ولماذا لم تأت الجيوش الأمريكية لاحتلال ماليزيا وإندونيسيا والخليج وتركيا ومصر والجزائر والمغرب؟؟؟ ولمذا نجد هذه الجيوش الاستعمارية فقط في البلاد الفاشلة.
جواب الاستبداد جاهز: وهل تظن هذه البلاد حرة ؟؟؟ إنها محتلة بالوكالة تدار من السفارات الأمريكية والبريطانية، وليس لحكامها إلا التوقيع والبصم على إرادة الأمريكان!!
تهمة العاجز وشتيمة الفاشل….. بل إنني واجهت في حوار ساخط من يعتبر اليابان وألمانيا مستعمرتين للإرادة الأمريكية، وأنهم جميعاً أجراء عند ترامب، وأنهم يتمنون أن ينالوا شرف الكرامة والاستقلال الذي ننعم به في سوريا واليمن!!
إنهم يتقاسمون حملة تشويه الحضارة، فالسياسيون يصفونها بأنها الإمبريالية ورجال الدين يصفونها بأنها الكفر والانحلال.
واليوم بات السياسيون أيضاً يشاركون رجال الدين ويشرحون الحضارة الحديثة على أنها مجرد مؤامرة على الدين تهدف إلى فصل الدين عن الدولة، وأن الحضارة مجرد دعارة وشذوذ ومخدرات، وأن الثورة ليست إلا نشاطاً إلحادياً تنصيرياً مرتبطاً بالماسونية العالمية!!
فيما يتولى رجال الدين وصف العالم بالكفر ويكرسون عقيدة بطلان الأديان ونسخها ووصم أتباعها بالكفر والإلحاد، وهكذا يتصل السياسي بالديني في اعتبار واقعنا في التخلف والفساد والفوضى والجهل هو نتيجة صمود ومقاومة وليس نتيجة استبداد وفشل، فيما ليس في الطرف الآخر إلا الدعارة والمخدرات والشذوذ.
نحتاج ثورة فكرية هائلة لنقول للجيل الجديد لقد أمعنّا في قيادتكم إلى الوراء، وفي تزيين واقعنا المتوحش، ومارسنا أبشع الكذب لتشويه الحضارة الإنسانية وإنكار ما فيها من الحرية والعدالة والمساواة والأخلاق وحقوق الإنسان والتقدم العلمي، واختصاره بالدعارة والشذوذ.
الحضارة الغربية السعيدة بالحرية والعدالة وحقوق الإنسان، ليست فردوس ملائكة، ولكنها ليست نادي سقوط أخلاقي، وهي لا تكتم شيئاً من واقعها لأسباب سياسية وحكومية، بل تقدم المشهد كما هو، وتقوم بأشد الممارسات صرامة لمواجهة الفحشاء والاغتصاب والتحرش والشذوذ، من دون أن تقوم بانتهاك حقوق الإنسان.
أيها الجيل البريء الآتي…. نحن آباؤكم فلا تشبهونا…. نحن أصنامكم فلا تعبدونا.