محمد برو – الناس نيوز ::
المادة تعبر عن وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة عن موقف الجريدة .
يذكر لنا التاريخ القديم أن القادة الرومان حين يصبحون مؤهلين لخوض الانتخابات والتنافس على مناصب قيادية رفيعة، بدء من قادة الفيالق وصولا إلى منصب الإمبراطور، كانوا يقفون على أبواب روما شبه عراة، كاشفين مواضع الجراح والطعنات التي نالوها دفاعاً عن إمبراطوريتهم، والتي تعتبر أوسمة شرف تمنحهم حق الترشح لهذا المنصب أو ذاك، وبدون هذا يصبح التطلع لهذا المنصب ضرباً من الغرور لا تستسيغه عامة الناس.
في مقارنة مشهد الامبراطور العاري الذي يستجدي عامة الشعب أن يمنحوه أصواتهم، نجد اليوم في ثورات الربيع العربي، قيادات سياسية هزيلة لم يعرف عن أحدهم أنه فتح فمه قبيل الثورة إلا لطبيب الأسنان، حسب تعبير الرئيس التونسي الأسبق “منصف المرزوقي”.
إذن تفتقر بعض هذه القيادات إلى حاضنة شعبية او ثقافية، تكسبها حق تمثيلها، فعلى سبيل المثال في المشهد السوري، نجد الكثيرين منهم لم يعرف عنهم السوريون معلومة واحدة قبيل الثورة، ولو فتشنا في ملفات بعضهم سنكتشف أنهم كانوا ( بعضهم ) منغمسين في ممارسة الفساد الذي يزعمون اليوم أنهم ينتفضون لمحاربته، وأنهم ينتمون إلى جماهير الثورة التي ثارت لأجل هذا، لكن بعد مضي ما يزيد عن عشر سنوات سنجد أن هؤلاء حملوا ما ترعرعوا عليه من فساد في مؤسسات النظام الأسدي فنقلوه بشكل أكثر حداثوية إلى المؤسسات التي أنشئت بقدرة قادر او بمنحة مانح لتمثيل الثورة واحتكار صوتها وقرارها، فالمحسوبية والولاءات العائلية والحزبية والأموال المختلسة، والمضيعة في غير وجهها الذي خصصت له، والتشبث بالمناصب رغم تفاهتها وعدم جدواها سوى الترخيص لصاحبها، للتنقل بين العواصم والإقامة بفنادق لم تكن هذه الفئة لتسمع باسمها من قبل، والحصول على مرتبات شهرية لا يقبل بها مندوب مبيعات في شركة صغيرة .
إن فرصة البعض للتحصل على أموال غير مشروعة، هي بحد ذاتها هدف اهم ، مقابل تأجير ولاءاتهم وأصواتهم بشكل مذرٍ ومهين، وجميعنا شهد كيف باع العديد من الأفراد والكتل السياسية علمانية وإسلامية أصواتهم لانتخاب بعض مرشحي مؤسسات تمثل الثورة السورية في أكثر من مرة، لقاء حفنة من الدولارات، وكان هذا شبه علني يومها ويعرفه آلاف السوريين المقيمين في مدن تتواجد فيها هذ القيادات ، ويعرفون كم كان ثمن كل صوت منهم يومها، ثم لا يفتر أحدهم عن تذكيرنا كل حين أنه ومن معه يريدون دولة ديمقراطية تعددية، على الطراز الفرنسي والأمريكي والياباني والإنكليزي معاً، وهولا يملك أدنى فكرة عن كيفية السعي إلى هذا المأمول، ولا يشبه بممارساته السياسية إلا نظام الاستبداد الذي يزعم محاربته، وما أن يصل إلى منصب ما حتى يكون غاية همه أن يبقى فيه إلى أن ينتقل لمنصب أعلى.
في الجهة الأخرى من الذين فاتهم قطار الانتفاع ولعبة المقاولات الثورية، ( هل ينطبق هذا على الجميع ؟ بالطبع لا ) فقد نمت لدينا طبقة واسعة من المنظرين الثقافويين، الذين لا يتوقفون عند كل حادثة عن بذل خبراتهم الألمعية، فيوجهون مواعظهم وارشاداتهم لأولئك المساكين القابعين تحت نير الاستعمار الأسدي، والذين يعانون نار الحرب والقهر كل ساعة، ويعرفون من تفاصيل معاناتهم اليومية ما يمكن فعله وما يستحيل، فتمطرهم هذه الطبقة المتثاقفة، بفيوضات حكمتها وتوجيهاتها، فهم يرون أن على المتظاهرين في السويداء أن يطالبوا بكذا وكذا، وعلى القابعين في المدن الأخرى أن يتفاعلوا معهم ويعلنوا الاضراب العام، وعليهم أن يتوحدوا وعليهم أن وأن وأن، أما هو من ينظِّر لهم ويختار لهم الأنسب والأصلح، فيكفيه ما يبذله من جهد الاهتمام والتفكير والتنظير وهو مسترخ في مدينة شرقية أو غربية لا يناله من غبار الحرب الدائرة سوى ما تجود به صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي.
خلاصة الأمر لم يكن للثورة السورية قيادات مؤهلة، ولم تكن هناك أحزاب سياسية على قدر المسؤولية، ونتيجة هذا الفراغ الذي كرسه حافظ الأسد ووريثه خلال خمسين سنة، كانت الثورة السورية يتيمة الأم والأب، ناهيك عما فعلته قوى إقليمية ودولية في توظيفها واستغلالها لمصالحهم، وهذا ديدن الدول القوية، والمشهد اليوم يمضي للأسوأ، ما لم يصدر قرار أممي يعيد تشكيل المشهد على نحوٍ، لا يحتاجون فيه لنظام وظيفي كنظام الأسد، حينها فقط سيتم استبداله بين عشية وضحاها، ولن يكون هناك من يهتم بمصيره الذي يرجح أن ينتهي بالقتل، ليس لإمضاء العدالة بل لطمس الكثير من الحقائق.