د. علي حافظ – الناس نيوز ::
بنادق السفينة لن تحطم حلمي ، قلبي لن يخون الإيمان أبداً ، ستظل مدينة مريم الصالحة قائمة إلى الأبد ، بينما تشرق الشمس فوق آزوف الفخور – مقطع من أغنية “مدينة ماري” لفرقة “أوكين إلزي”
يبدو أن روسيا قد وضعت خططها النهائية واستكملت تجهيزاتها لشن هجوم واسع النطاق في شرق وجنوب أوكرانيا، على خلفية إعادة تجميع قواتها وتعزيزها بوحدات عسكرية إضافية منسحبة من ضواحي العاصمة كييف، وزيادة الطلعات الجوية لطائراتها العملياتية التكتيكية، وتكثيف قصفها وضرباتها الصاروخية والقنابلية من أجل تدمير كل شيء يقف في طريقها…
قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأوكرانية أولكسندر موتوزيانيك: “إن القوات المسلحة للاتحاد الروسي تستكمل إنشاء تجمع هجومي في منطقة العمليات الشرقية. إن المحتلين يستعدون لشن هجوم في شرق أوكرانيا من أجل بسط سيطرتهم الكاملة على أراضي منطقتي دونيتسك ولوغانسك”. كذلك دعا رئيس الإدارة العسكرية لمنطقة لوغانسك سيرغي غايداي السكان إلى الإخلاء مباشرة قبل فوات الأوان، لأن القتال ما زال مستمراً وإجلاء المدنيين لم يعد ممكناً. وأفاد في وقت لاحق بأن القوات الروسية سيطرت على مدينة كريمينايا غرب منطقة لوغانسك وعلى عدد من القرى الصغيرة. بينما صرح الرئيس زيلينسكي في 19 أبريل/نيسان: “ركز الاتحاد الروسي تقريباً الجزء الجاهز للقتال من جيشه بأكمله على أراضي أوكرانيا وبالقرب من الحدود”. ثم صرح بعد يوم من ذلك: “شنت القوات الروسية هجوماً واسع النطاق في دونباس”… لكن، حسبما أرى، فإن الهجوم الحقيقي المنتظر لن يبدأ إلا مع توقف موسم الأمطار تماماً وجفاف التربة نوعاً ما، كيلا تغوص الآليات الروسية بالوحل وتتوقف لتكون أهداف سهلة لمضادات الدروع، كما حدث في شمالي أوكرانيا.
يركز الروس هجومهم، الآن، في اتجاه (إيزيوم، روبيجنوي، بوباسنايا، سيفيرودونتسك)، ويقومون بعمليات عدائية نشطة من أجل المضي قدماً، لكنهم لم يتقدموا سوى في قطاعين أو ثلاثة… كذلك تجري أكثر الأعمال القتالية كثافة في منطقتي سلوبوزانسكي ودونيتسك، إذ يعمل الروس جاهدين بسط سيطرتهم الكاملة على مدينة أليكساندروفكا الاستراتيجية، والتي حاولوا منذ فترة طويلة الحصول على موطئ قدم فيها، لكنهم لم ينجحوا، ليفقدوا مجموعة تكتيكية كاملة من الأفراد والمعدات خلال معركة واحدة جرت يوم 10 أبريل/نيسان!
كذلك، تتمثل الجهود الرئيسة للغزاة في الحفاظ على أماكن تمركزهم جنوباً، ومواصلة التأثير الناري على مواقع القوات المسلحة الأوكرانية في اتجاه مدينة نيكولاييف وصولاً حتى حدود إقليمي خيرسون وزابروجيه. هناك تستعد القوات الروسية لإنشاء “جمهورية شعبية”، وإجراء استفتاء زائف. إضافة إلى ذلك تحاول جاهدة رسم صورة للسكان المحليين مفادها أن السلطات الأوكرانية “تخلت” عنهم، من أجل تكوين رأي عام يناسب خطتهم!
ومع ذلك، دون الاستيلاء على ماريوبل المحاصرة المنكوبة، التي بقي فيها الكثير من المدنيين، ويدافع عنها زهاء ألفي مقاتل أغلبهم من “فوج آزوف” و”اللواء 36 مشاة بحرية” ومعهم أكثر من 500 جريح، لا يمكن للقوات الروسية التقدم في منطقة لوغانسك، لأنهم هزموا في اتجاه خاركوف ولم يستطيعوا محاصرتها، وتكبدوا خسائر كبيرة على الضفة اليسرى لنهر سيفرسكي دونيتس، ما دفعهم للتراجع.
تعتبر مدينة ماريوبل العقبة الأساسية التي تقف في وجههم، وفي حال السيطرة عليها سيحكمون قبضتهم على كل بحر آزوف، وبالتالي سيصلون الدونباس بشبه جزيرة القرم المحتلة عن طريق البر.
رغم بعدها عن خطوط الإمداد الأوكرانية، إلا أن المدافعين عنها يستبسلون كي يمنعوا اقتحامها وارتكاب المجازر المروعة فيها، حتى إنهم تمكنوا من شن هجوم مضاد في 18 أبريل/نيسان أدى إلى تدمير آليات ومعدات للجيش الروسي. يُظهر الفيديو الذي تم نشره بهذه المناسبة كيف أطلقوا النار على تجمع للروس أدى إلى اشتعال النيران في آلياتهم نتيجة لذلك، وكيف قام أحد المقاتلين بإلقاء قنابل يدوية على سياج من الطوب يختبئ خلفه جنود روس.
كذلك، جرت محاولة اختراق الحصار 24 أبريل/نيسان، بالتزامن مع معركة نشبت وسط ماريوبول بين القوات الروسية والمدافعين الأوكرانيين الراغبين في البقاء والقتال حتى النهاية.
الصمود هناك يبطئ تقدم الجيش الروسي في دونباس، واقتحام ما تبقى من المدينة المقاتلة قد يستلزم خسائر كبيرة في صفوف الجنود الروس، لذلك لا يمكنهم فعل ذلك في المستقبل القريب إلا إذا استخدموا أسلحة كيماوية، كما فعلوا عندما احتجز مسلحون شيشان بقيادة موفسار باراييف عدداً كبيراً من الأسرى في مسرح قصر الثقافة بحي دوبروفكا جنوب غربي العاصمة موسكو عام 2002.. حينها ضخت القوات الخاصة الروسية غازاً كيميائياً مجهولاً في فتحات التهوية للمبنى، ليلفظ 125 شخصاً بريئاً أنفاسهم الأخيرة نتيجة استنشاقهم ذلك الغاز الغريب، ومن ثم اقتحمته.
وهذا أمر محفوف بالمخاطرة، وسيفرض من كل بد ردة فعل غربية عنيفة.. يدرك بوتين أن استخدامه لسلاح نووي، أو حتى سلاح كيميائي بيولوجي، في هذه المرحلة لن يكون فقط عملاً من أعمال اليأس الشديد، ولكن من باب التصعيد وإبادة الذات!
ورغم كل ذلك، سارع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى الإعلان بأن جيشه “قد استولى على ماريوبل وأن الذين بقوا هناك متواجدين في مصنع آزوفستال فقط”. ثم رد عليه بوتين: “طوقوهم ولا تدعوهم يخرجون”، وأصدر أمراً بعدم اقتحام “آزوفستال” في 21 أبريل/نيسان. لكن، مستشار رئيس مكتب زيلينسكي أليكسي أريستوفيتش نفى كلام شويغو بعد عدة أيام، واصفاً اللقاء بين بوتين وشويغو بـ “أنه مشهد مضحك”!
على الرغم من التصريحات الدعائية التي قام بها شويغو حول إحكام قبضته على المدينة، إلا أن الحقيقة تقول إن هذا الأخير كذب على رئيسه: فلا الروس أخذوا ماريوبل، ولا المدافعين الأوكرانيين يتواجدون في “مصنع آزوفستال” فحسب، وإنما في أربعة أماكن أخرى.
وعدد المدنيين داخله يمكن أن يصل من 300 إلى 1000 شخص، حيث يعيشون بشكل منفصل عن الجيش الأوكراني، لأن هذا الأخير لا يريد تعريضهم للخطر. والروس لم يتوقفوا عن قصف المصنع بالقنابل الثقيلة من قاذفات استراتيجية، ومحاولة اقتحامه.
أما فيما يتعلق بكلام بوتين “طوقوهم ولا تدعوهم يخرجون”، لابد من تذكيره بأن التطويق يحتاج إلى ثلاثة أضعاف عدد القوات المتواجدة حالياً للاقتحام. وهذه الأعداد غير متوافرة حالياً، لاسيما مع حمأة الرغبة في تحقيق انتصار، ولو كان صغيراً، على أعتاب “يوم النصر” 9 مايو/أيار على الفاشية الرمزي جداً للروس!
في خضم الأحداث المتلاحقة حول ماريوبل، ذكر نائب قائد الفوج الأوكراني المرابط هناك سفياتوسلاف بالامار: “بينما نحن هنا، ماريوبول هي أوكرانيا. ماريوبول هي دائماً أوكرانيا، بغض النظر عن كيفية قول أي شخص. يستمر الكفاح، ونحن على أراضي ماريوبول. لدينا قوة كافية لصد جميع هجماتهم. لقد ذكرنا مراراً وتكراراً أننا لن نستسلم… سنقاتل”. وأضاف: “إن المدافعين عن ماريوبول لا ينوون الاستسلام، لكنهم مستعدون للخروج من المدينة بأسلحتهم الخاصة، بشرط أن يكون الاتفاق مضموناً من قبل طرف ثالث”.
رغم أن المدافعين سيقاتلون مستخدمين كل رصاصة متبقية لديهم، لكنهم، في الوقت نفسه، يدعون إلى إنقاذ المدنيين والجرحى ونقل جثث القتلى. لكن حتى الآن، فشلت كل محاولات الاتفاق على إنشاء ممر إنساني للنساء والأطفال وكبار السن المتواجدين هناك.
لن يفتح الغزاة ممرات آمنة لخروج المدنيين، حسب اعتقادي، إلا بعد أن يزيلوا كل الأدلة الدامغة على جرائمهم، ويصفون جميع الشهود المحتملين على فظائعهم.. ومن أجل ذلك أرسلوا إلى هناك 13 محرقة جثث متنقلة لتنظيف الشوارع من القتلى العسكريين والمدنيين…
حتى الآن، صدت القوات المسلحة الأوكرانية، في منطقتي دونيتسك ولوغانسك أكثر من 20 هجوماً للروس، ولم تنجح سوى بعض محاولات القوات الغازية اليائسة للتقدم.. أثبت المقاومون الأوكرانيون شجاعتهم أمام أعين العالم كله وهم يوقفون زحف الجيش الذي اعتبر ثاني أو ثالث أقوى جيش في العالم، مما جعلهم يستحقون أن يكونوا أعلى مرتبة من المحتلين الروس في التصنيف العسكري العالمي، وأعين جميع المحبين لحرية الإنسان وكرامته…