الناس نيوز – فؤاد عبد العزيز
في الآونة الأخيرة ، مع تفشي وباء “كورونا” في أغلب دول العالم ، التحليلات التي تتحدث عن أن الاقتصاد العالمي مقبل على أزمة كبيرة ، تتجاوز في تأثيراتها الأزمة المالية في العام 2008 ، وقد تشبه الكساد الكبير الذي حدث في العام 1929 .
ويستند هؤلاء المحللون في توقعاتهم ، إلى حجم الخسائر المباشرة لجميع القطاعات الاقتصادية ، الناتج عن عمليات الحظر والإغلاق والتوقف ، التي اتخذتها الدول لمنع انتشار الفيروس ، بالإضافة إلى عمليات الدعم المباشر التي رصدتها الحكومات ، والتي في مجموعها تبلغ حتى الآن أكثر من 5 تريليون دولار ، أو ما يفوق المبلغ الذي رصدته مجموعة العشرين في اجتماعها الافتراضي الأخير في الرياض ، خلال مناقشة تداعيات أزمة فيروس “كورونا” .
وهم يرون ، أي الكثير من المحللين ، أن الاقتصاد العالمي من الصعب أن تعود عجلة الإنتاج إليه وتعويض هذه الخسائر ، قبل سنتين على الأقل ، سيما وأن أزمة الفيروس لم تنته بعد ، ولا أحد يعرف على وجه الدقة الفترة الزمنية التي تتطلبها ، ما يجعل الواقع مظلم وقاتم ، وينذر بأزمة اقتصادية كبيرة ، قد تدفع من كان بالمقدمة إلى المؤخرة ، والعكس صحيح .. في إشارة إلى الدول الأوروبية وأمريكا ، الأكثر تضررا من تداعيات هذا الفيروس حتى اليوم .
لكن على جانب آخر ، لا أحد يتطلع من هؤلاء المحللين ، إلى أن ما يحدث للاقتصاد العالمي حاليا ، ليس خسائر مباشرة بالمعني الدقيق للكلمة ، وإنما هو توقف أرباح أو تراجعها ، وهذه العملية سوف تسبب ركودا اقتصاديا لا شك فيه ، وتراجع في نسب النمو المتوقعة ، لكن لا يمكن أن تؤدي إلى الأهوال التي يتحدث عنها البعض ، والتي تصل في بعض الأحيان للحديث عن جائحة اقتصادية وانهيار أنظمة ودول ، ونشوء نظام عالمي جديد يختلف عن الحالي .. هذا الكلام قد ينطبق على الدول الفقيرة والنامية ، فيما لو أنها تعاني من تداعيات هذا الوباء بنفس الصورة التي تعاني منها الدول الغنية ، بينما ونحن نتحدث عن دول مثل الاتحاد الأوروبي وأمريكا وبريطانيا ، فإن ذلك يتطلب منا الكثير من التريث قبل أن نلقي التوقعات جزافا ، ويجب أن نفرق كذلك بين الأمنيات والتحليلات ، الأكثر تبشيرا بأزمة اقتصادية عالمية وظهور نظام عالمي جديد ، في أعقاب الانتهاء من أزمة فيروس “كورونا” .
الواقع يقول ، إن الناتج المحلي الإجمالي لدول الاتحاد الأوروبي يبلغ 14 تريليون دولار ، مقابل 20 تريليون دولار في أمريكا ، و13 تريليون دولار في الصين ، أما بريطانيا فتحتل المرتبة الثانية عالميا ، بعد الولايات المتحدة ، من حيث أنها موطن للعديد من البنوك والشركات العالمية ، بالإضافة إلى أن لندن هي أكبر مركز مالي في العالم ولديها أكبر ناتج محلي إجمالي كمدينة في أوروبا ..
وبعيدا عن هذه الدول المكرسة كعظمى سياسيا في الذهنية الشرق أوسطية ، فإن دولة كاستراليا ، يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي نحو 2 تريليون دولار ، بينما يبلغ عدد سكانها نحو 25 مليون نسمة ، فضلا عن أنها تمتلك ثروات طبيعية ومعدنية تقدر بنحو 20 تريليون دولار .. وهي تحتل المرتبة الثامنة عالميا في هذا المجال .
ولعل ذلك يعطينا ربما فكرة عن أن الدول المتورطة اليوم بوباء “كورونا” ، تمتلك اقتصادا قويا ، يشكل أكثر من 70 بالمئة من حجم الاقتصاد العالمي ، وهي تمتلك مقومات هائلة ، سواء من حيث السيولة المالية ، أو من حيث الإمكانيات الصحية الكبيرة ، التي سوف تجعلها قادرة على استيعاب أزمة هذا الفيروس ، ومن ثم إعادة الحياة لاقتصادها وللاقتصاد العالمي من جديد ..
كل ما هنالك أن الأمر سوف يتطلب بضعة أشهر ، بعد الخلاص من هذا الوباء ، وسوف يتضاعف الانتاج بعدها ثلاثة مرات ، ليعوض حالة الركود التي حدثت أثناء فترة الفيروس .
وبالتالي فإن تراجع أسعار النفط العالمية إلى حدود 22 دولارا للبرميل ، كان له أثر إيجابي على اقتصادات الدول الكبرى خلال الفترة الماضية ، وسوف يكون له أثر أكبر عند التعافي من الفيروس ، من حيث أنه سيساعدها على تسريع عملية الإنتاج وتخفيض التكاليف التشغيلية للمصانع والشركات ، وبما يسمح لها بتعويض الكثير من خسائر أرباحها التي تكبدتها خلال الفترة الماضية ، غير أن المتضرر الأكبر من تراجع أسعار النفط ، سوف يبقى بالدرجة الأولى دول الخليج العربية وروسيا ، والتي تقول الأرقام إن خسائرها اليومية تبلغ نحو مليار دولار ، ما يعني زيادة الضغوط التضخمية على موازناتها ، وبالتالي الاستعانة بصناديقها الاستثمارية ومدخراتها لتمويل العجر في موازناتها ، هذا بالنسبة لبلدان الخليج ، أما روسيا فعلي ما يبدو أن ستكون الخاسر الأكبر ، على الرغم من أنها الأقل تأثرا بتداعيات فيروس “كورونا” ، لكنها الأكثر تأثرا بـ “فيروس” النفط .