fbpx

الناس نيوز

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

هل كان موسى مصرياً

هل كان موسى مصرياً

في مقالة سابقة عالجت فيها “مشكلة العبرانيين“: أصلهم، وهجرتهم إلى مصر حيث وقعوا في العبودية مدة 400 سنة، ثم تحريرهم وخروجهم من مصر بقيادة موسى الذي سار بهم نحو أطراف أرض كنعان بعد فترة تجوال في سيناء. وقد توصلت إلى نتيجة مفادها أن ملحمة الخروج من مصر كما تقصها علينا أسفار الخروج واللاويين والعدد والتثنية، لم تحدث بالطريقة التي فصلتها لنا هذه الأسفار الملآى بالمبالغات والتأويلات، ولكنْ شيئا ما حدث بقي في الذاكرة الشعبية المشوشة كان وراء الخيال الجامح للمحررين التوراتين.

ولقد حاولت إزالة ما تراكم حول هذا الحدث من سرديات شعبية وإيديولوجيا دينية، من أجل التوصل إلى النواة التاريخية الكامنة وراءها. وسوف أتابع هنا بالطريقة نفسها حل لغز موسى الشخصية المحورية في الملحمة.

ربما كان سيغموند فرويد في كتابه “موسى والتوحيد” أول من طرح التساؤل عما إذا كان موسى مصرياً وخرج بنتائج تدعم هذا الرأي، ولكننا لا نستطيع قبول هذه النظرية دون مناقشة فلربما قادتنا هذه المناقشة في دروب أخرى على ما سنبين فيما يلي.

يقول محرر سفر الخروج في روايته لقصة ميلاد موسى، أن الفرعون لما رأى تكاثر العبرانيين خشي إذا صارت حرب من انضمامهم إلى أعداء مصر، فأصدر أمراً يقضي بقتل كل مولود ذكر لهم. وكان رجل من سبط لاوي قد تزوج من امرأة من سبط لاوي أيضاً فولدت ولداً، ولما رأت أنه حسنٌ أخفته ثلاثة شهور، وبعد ذلك وجدت أنها لن تستطيع إخفاءه أكثر فصنعت له سفطاً من البردي ووضعت الطفل فيه ثم وضعته بين الخيزران على حافة النهر، ووقفت أخته من بعيد لتنظر ماذا يقع له. فنزلت ابنة الفرعون إلى النهر لتغتسل وجواريها سائرات معها، فرأت السفط وأرسلت أَمَتَها لتأتي به، ولما فتحته رأت الولد فإذا هو صبي يبكي فرقت له وقالت: هذا من أولاد العبرانيين وعزمت على الاحتفاظ به. فجاءت أُخته وقالت لها: هل أذهب وأدعو لك مرضعاً من العبرانيات ترضع الولد؟ فقالت ابنة الفرعون لها: اذهبي. فانطلقت ودعت أم الصبي، فقالت لها ابنة الفرعون: خذي هذا الصبي فأرضعيه لي وأنا أعطيك أجرتك. فأخذت المرأة الصبي وأرضعته ولما كبر جاءت به إلى ابنة الفرعون فاتخذته ابناً ودعته موسى لأنها قالت: إني انتشلته من الماء. (الخروج: 2:10) وهكذا شب موسى وكبر في البلاط الملكي وتربى كأمير فرعوني.

تقوم هذه القصة الافتتاحية من سلسلة قصص موسى (في أسفار الخروج واللاويين والعدد والتثنية) على عدد من العناصر الشائعة في الأدب الشعبي شرقاً وغرباً، والمتعلقة بميلاد السلف الذي تنتمي إليه الجماعة أو أحد الأبطال البارزين فيها. فالطفل إما يوضع في سلة تطفو على الماء، أو يُترك في غابة أو برية فتقوم ذئبة أو غزالة بإرضاعه، أو يجده حطاب فقير فيضمه إلى بيته. وهذا الطفل إما أن يكون من أصل عامي ثم تتعهده أسرة نبيلة بالتنشئة ويغدو واحداً من أفرادها، أو يكون من أصل ملكي ثم تتعهده أسرة فقيرة حتى يكبر ويتعرف على أصله ويعود للمطالبة بحقوقه. ويتعدد الدافع إلى التخلص من الرضيع؛ فهو إما مؤامرة داخل القصر الملكي، أو غيرة الزوجة الأولى من ولادة الزوجة الثانية، أو نبوءة عن قيام المولود الجديد بقتل الأب والاستيلاء على العرش.

القصة الثانية من سلسلة قصص موسى تنقلنا بشكل مفاجئ من موسى الطفل إلى موسى الشاب الذي شب في البلاط وهو عارف بأصله العبراني: «وكان في تلك الأيام لما كبر موسى أنه خرج إلى إخوته (العبرانيين المسخرين) ونظر في أثقالهم، فإذا برجل مصري (أحد رؤساء السخرة) يضرب رجلاً عبرانياً من إخوته، فالتفت يميناً وشمالاً فلم ير أحد فقتل المصري وطمره في الرمل. ثم خرج في اليوم التالي فإذا برجلين عبرانيين يتضاربان، فقال للمعتدي لماذا تضرب صاحبك؟ فقال: من أقامك علينا رئيساً وحاكماً؟ أتريد أن تقتلني كما قتلت المصري؟ فخاف موسى وقال:” إذن الخبرُ قد ذاع” (الخروج 2: 10-14). وهكذا في أول ظهور لموسى الشاب على مسرح الحدث، نراه يرتكب جريمة لم يكن مضطراً إليها.  لقد قال له المعتدي: من أقامك علينا رئيساً؟ ولكنه أقام نفسه قاضياً وقضى بالموت من أجل جنحة لا يستحق مرتكبها مثل هذه العقوبة في شرائع الإنسان قديمها وحديثها.

القصة الثالثة تتحدث عن هرب موسى إلى صحراء مديان خوفاً من أن يناله العقاب على جريمته: «وسمع فرعون بهذا الخبر فطلب أن يقتل موسى، فهرب موسى من وجه فرعون وصار إلى أرض مديان وقعد عند البئر. وكان لكاهن مديان سبع بنات، فجئن وملأن المساقي ليسقين غنم أبيهن، فجاء الرعاة وطردوهن، فقام موسى وأنجدهن وسقى غنمهن. فلما جئن رعوئيل أباهن قال لهن: ما بالكن أسرعتن في المجيء اليوم؟ فقلن: رجل مصري خلصنا من أيدي الرعاة وأيضاً استقى لنا وسقى الغنم. فقال لبناته: وأين هو؟ لمَ تركتن الرجل؟ ادعونه ليأكل طعاماً. فارتضى موسى أن يسكن مع الرجل فزوجه صفورة ابنته فولدت له ابناً فدعا اسمه جرشوم لأنه قال كنت نزيلاً في أرض غريبة. (ثم ولدت غلاماً ثانياً فسماه أليعازر وقال لأن إله أبي ناصرني، أنقذني من يد فرعون. ن)[1]. وكان بعد أيام كثيرة أن ملك مصر مات، وتنهد بنو إسرائيل من العبودية وصرخوا إلى الله من أجل العبودية، فسمع الله أنينهم وتذكر عهده مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب»- الخروج 2: 25-15.

هذه القصص الثلاث التي تجري في ثلاثة أمكنة هي: 1 – مساكن العبرانيين. 2- القصر الملكي. 3 – صحراء مديان، تفتتح لغز موسى بالإشارة إلى ثلاثة أصول مختلفة لهذه الشخصية الغامضة وهي: 1 – الأصل العبراني. 2 – الأصل المصري. 3 – الأصل المدياني. إن القوة التي رسمت بها شخصية موسى في الأسفار الأربعة، ومركزيتها في التاريخ التوراتي والعقيدة التوراتية، تدفعنا إلى الاعتقاد بوجود أساس تاريخي لها تراكم فوقه غبار التاريخ. ولربما كانت شخصية موسى التوراتي مزيجاً من ثلاث شخصيات وصلت إلى المحرر من موروثات مختلفة المنشأ.

موسى العبراني: تبتدئ قصة موسى العبراني بقول المحرر: «ومضى رجل من بيت لاوي وتزوج بابنة لاوي فحملت المرأة وولدت له ابناً، ولما رأت أنه حسن خبأته ثلاثة أشهر…». يقدمنا هذا المقطع إلى المستوى الأول والأصلي لقصة موسى، فهو مجهول الأب والأم (ابن لاوي وابنة لاوي)، ومجهول الاسم العبراني لأن أمه هنا لم تطلق عليه اسماً. ولعل نسبته إلى اللاويين ليس إلا من قبيل إضفاء الطابع اللاهوتي عليه. وعلى الرغم من أن المحرر في هذه القصة ذكر وجود أخت لموسى إلا أنه لم يذكر لنا اسمها مثلما لم يذكر وجود أخ له تفترض الأحداث اللاحقة أنه أكبر منه سناً وهو هارون. هذا الغموض الذي يحيط بموسى في هذا المستوى الأصلي الذي وصل إلى المحرر التوراتي، يجعلنا منذ البداية نشك في أصله العبراني.

في المستوى الثاني للقصة يبدأ المحرر بابتكار أصول لموسى وذلك في الإصحاح السادس وبعد أن كبر موسى في بلاط الفرعون ثم هرب وأقام في مديان. وهذا يعني أن القصة قد خضعت لإعادة تحرير من قبل شخص أحس بضرورة ابتكار أصول لموسى فقال في سياق شرحه لأنساب رؤساء العشائر: «وهذه أسماء بني لاوي بحسب مواليدهم… إلخ… وأخذ عمرام يوكابد فولدت له هرون وموسى  -(الخروج  6: 20)، وهنا يُغفل المحرر ذكر أخت لموسى أكبر منه سناً كان من المفترض أن يذكرها قبل هارون وموسى. ولكن بعد عبور البحر وغرق فرعون وجنوده، تظهر شخصية يدعوها النص بمريم النبية أخت هارون: «فأخذت مريم النبية أخت هرون الدفَّ بيدها وخرجت وراءها جميع النساء بدفوف ورقص، وأجابتهم مريم: “رنموا للرب فإنه قد تعظم، الفرس وراكبه طرحهما في البحر، إلخ.  (الخروج 15:20) ونحن هنا أمام موروث يجعل من مريم النبية هذه أختاً لهارون لا أختاً لموسى، وينجم عن ذلك أن صلة الأخوة بين موسى وكل من هارون ومريم قد ابتُكرت لاحقاً من أجل خلق روابط عائلية لهذه الشخصية. ولا أدل على ذلك من أن مريم وهارون قد اتحدا معاً في عملية تمرد على موسى خلال ترحالهم: «وتكلمت مريم وهارون على موسى بسبب المرأة الكوشية التي تزوجها لأنه كان قد اتخذ امرأة كوشية. فقالا: هل كلم الرب موسى وحده؟ ألم يكلمنا نحن أيضاً؟» فعاقب الرب مريم بأن ضربها بالبرص فصارت بيضاء كالثلج، ولكن موسى توسط من أجلها فقصر زمن إصابتها إلى سبعة أيام فقط (العدد 12). هذه المرأة الكوشية (النوبية) التي لم تظهر إلا في حادثة التمرد هذه تختفي بعد ذلك تماماً ولا نعرف شيئاً عن نسلها من موسى.

على أن القصة لن تكتسب طابعها الملحمي إذا اقتصرت على موسى العبراني ولا بد للبطل أن يزود بنسب ملكي. وهنا نأتي إلى موسى المصري.

موسى المصري: إن من أطلق اسم “موسى” عليه هو ابنة فرعون على ما أسلفنا سابقاً، وهذا أول ما يلفت نظرنا إلى الأصل المصري لموسى، والاسم يلفظ بصيغة «موس» ويعني طفل، ونجده في الأسماء المركبة لبعض أسماء الفراعنة مثل: «رع-موس وتحوت موس، وأح موس»؛ أي طفل أو ابن رع أو تحوت أو أح، وجميعها أسماء آلهة مصرية[i]. ومع تداول الاسم قد يجري إسقاط الشطر الأول منه والإبقاء على الشطر الثاني موس أو موسى. فالاسم غير عبراني، ولا نجد له جذراً في اللغة العبرية[ii].

إن قصة موسى إذا كان عبرانياً ما كان لها أن تنسجم مع النمط العام لميلاد البطل الملحمي، وبالتالي تمارس تأثيرها المطلوب، إذا لم يُبتكر لبطلها أصل نبيل أو ملكي، وربما هذا ما حدث. ولكن ماذا إذا كان موسى مصرياً فعلاً؟

 

في سلسلة قصص موسى لدينا عدد من العناصر التي تقف إلى جانب نظرية الأصل المصري. ولعل أول ما يلفت نظرنا بهذا الخصوص هو اعتذار موسى عن تنفيذ المهمة التي أوكلها الرب إليه بحجة أنه «ثقيل الفم واللسان» ولن يكون قادراً على مخاطبة بني إسرائيل: «فقال موسى للرب: استمع أيها السيد. لستُ أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس ولا من حين كلمت عبدك، بل أنا ثقيل الفم واللسان». فقال له الرب: «اذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به». وهنا ضاق الأمر بموسى وأعلن بصراحة رفضه الذهاب إلى مصر: «استمع أيها السيد. أرسل بيد من تُرسل». فحمي غضب الرب على موسى وقال: «أليس هارون اللاوي أخاك؟ أنا أعلم أنه هو يتكلم، وأيضاً ها هو خارج لاستقبالك فحينما يراك يفرح قلبه، فتكلمه وتضع الكلمات في فمه وأنا أكون مع فمك ومع فمه وأعلمكما ماذا تصنعان، وهو يكلم الشعب عنك وهو يكون لك فماً». الخروج 4: 17-10. هذه العلّة التي يشكو منها موسى قد تكون عيباً خلقياً في النطق مثل التأتأة أو ما شابهها، ولكنها يمكن أن تُعزى أيضاً إلى غرابة لغة موسى المصرية عن لغة العبرانيين، وبالتالي تؤدي إلى صعوبة التواصل بين الطرفين.

وفي الإصحاحات الأولى من سفر الخروج يبدو لنا موسى في شخصية الساحر أكثر منه في شخصية النبي؛ فهو يحمل بيده عصا ربما كان مقبضها على هيئة رأس حية، كانت تنتقل من يد موسى إلى يد هارون بشكل متناوب لتفعل المعجزات، وبها شق موسى البحر لعبور بني إسرائيل، وبها ضرب الصخرة، فتفجر منها الماء في الصحراء وشرب الشعب الذي تذمر عليه بسبب العطش. وقد كان السحر عنصراً هاماً في ديانة مصر القديمة التي احتوت على أكثر المفاهيم الروحانية سمواً، وفي الوقت نفسه على أكثر أشكال السحر تطرفاً، حتى أنه كان باستطاعة الكاهن الساحر أن يجبر الآلهة نفسها على تقديم العون للإنسان من خلال نطقه «بكلمات القوة». ويبدو أن شق الماء بالقوة السحرية لم يكن وقفاً على موسى، فلدينا قصة مدونة على بردية تعود بتاريخها إلى نحو عام 1550 ق.م تحكي عن قيام كاتب الفرعون سنفرو بشق مياه النيل على مرأى من الفروع الذي كان يتنزه على قاربه ثم أعاده كما كان[iii].

ومن أعمال موسى السحرية أنه صنع حية من نحاس ورفعها على عصا من أجل شفاء العبرانيين عندما أرسل الرب عليهم حيات سامّة فأمات منهم خلقاً كثيراً، فكان كل من نظر إلى حية النحاس يشفى (العدد: 21). هذه الحية النحاسية كانت من الصور المقدسة عند المصريين وارتبطت بعبادة الإلهة إيزيس سيدة السحر وحامية السحرة. وفي بعض المشاهد الطقسية المصورة، نجد الكاهن يحمل بيده عصا صُنع مقبضها على هيئة رأس حية، ويُدني ذلك المقبض من رأس تمثال إله لكي يحوله من كتلة صماء إلى مسكن للإله الذي يمثله[2] وهذا الإجراء هو حلقة في سلسلة طقوس تدعى بفتح فم الإله، وفي بابل بغسل فم الإله. ونظراً لقداسة الحية النحاسية التي صنعها موسى، فقد ظلت (أو شبيهتها) تعبد في هيكل أورشليم وتُقدم لها القرابين (الملوك الثاني: 4:18)

وهنالك جملة عابرة وردت على لسان بنات كاهن مديان عندما قلن لأبيهن لمَّا تعجب من عودتهن باكراً من عين الماء: «رجل مصري خلصنا من أيدي الرعاة» (الخروج 2: 19). وخارج كتاب التوراة لدينا إشارة مفيدة وردت عند المؤرخ اليهودي يوسيفوس في كتابه Jewish Antiquity، أو عاديات اليهود (أواخر القرن الأول الميلادي)، حيث قال إن موسى كان قائداً عسكرياً حقق انتصارات باهرة للجيش المصري[3].

موسى المدياني: في القصة الثالثة من سلسلة قصص موسى يتحول الأمير المصري إلى راعٍ لغنم كاهن مديان الذي زوجه إحدى بناته، وفي سياق هذه القصة يُسدل الستار على أنه كان أميراً مصرياً لا سيما عند عودته إلى مصر ودخوله على الفرعون. ولا أدل على غموض شخصية موسى المدياني من غموض شخصية كاهن مديان الذي كان كاهناً للإله يهوه على ما نفهم من الحوار الذي جرى بينه وبين موسى عندما خرج للقائه خلال مسيرة الخروج، فقص عليه موسى ما جرى له مع فرعون وكيف حرر بني إسرائيل، فقال له يثرون: «مبارك الرب الذي أنقذكم من أيدي المصريين… الآن علمت أن الرب (يهوه) أعظم من جميع الآلهة… فأخذ يثرون حمو موسى محرقة وذبائح لله وجاء هرون وجميع شيوخ إسرائيل ليأكلوا طعاماً مع حمي موسى» – الخروج 18: 12-8. ويتجلى غموض شخصية كاهن مديان في تعدد الأسماء التي دعي بها في النص. ففي أول ظهور له يدعى رعوئيل: «فلما جئن أباهن رعوئيل قال لهن…» – الخروج 2: 18. وفي الإصحاح التالي مباشرة يدعى يثرون: «وكان موسى يرعى غنم حميه يثرون…» – الخروج 3: 1. وفي سفر العدد يظهر لرعوئيل ابن اسمه حوباب: «وقال موسى لحوباب ابن رعوئيل المدياني حمي موسى… إلخ» – العدد 10: 19. وفي سفر القضاة يطلق المحرر اسم حوباب على كاهن مدين نفسه ويصفه بالقيني لا بالمدياني: «كان حابر القيني من بني حوباب حمي موسى…» – القضاة 4: 11. وأيضاً: «وصعد بنو القيني حمي موسى من مدينة النخل…» القضاة 1: 16.

وهنالك تعتيم على حياة موسى المدياني الأسرية، ففي سفر الخروج هنالك إشارة عابرة إلى زواج موسى من صفورة ابنة كاهن مدين وإنجابه منها ولدين هما جرشوم وأليعازر. وفي سفر العدد هنالك إشارة عابرة أخرى إلى زواجه من امرأة كوشية في سيناء دون مزيد من التفاصيل. وفيما عدا ذلك تتوقف السردية التوراتية عن ذكر كل ما له علاقة بأسرة موسى[4]. فما الذي حل بسلالة موسى؟ ولماذا أحجم المحررون التوراتيون المولعون بمتابعة الأنساب عن متابعة أخبار نسل الشخصية المركزية في سرديتهم؟

السيناريو المحتمل

إن أي سيناريو عن كيفية اجتماع هذه الشخصيات الثلاث في واحد، لن يكون إلا ضرباً من التخمين. وسوف أغامر بطرح السيناريو المحتمل التالي. إن شخصية موسى المصري هي الشخصية الرئيسية التي تراكبت فوقها الشخصيتان الأخريان. فهو من أسرة نبيلة مقربة من البلاط الملكي، إن لم يكن فعلاً على صلة قرابة حميمة مع الأسرة الملكية. انتسب إلى الجيش منذ حداثته وارتقى إلى مرتبة عليا وحقق انتصارات جعلته مقرباً من الفرعون، ولكن هذا الوضع المميز جعله عرضة لمؤامرة داخل البلاط أوغرت عليه قلب الفرعون. وعندما شعر بالخطر على حياته هرب والتجأ إلى مساكن العبرانيين الذين كانوا يستعدون لمغادرة مصر مع رهط من العمال الآخرين الذين انتهت أعمالهم في مشاريع رمسيس الثاني، ونظراً لثقافته وخلفيته العسكرية فقد أوكلت إليه الجماعة أمر قيادتهم، فخرج معهم متخفياً كواحد منهم.

وكان لهذه المجموعة العاملة في مصر مشرفون منهم اختارتهم إدارة المشاريع ليكونوا صلة وصل بينها وبين العمال الغرباء يُدعون في النص بالمدبرين (راجع الخروج 5: 14 و19)، ومنهم مدبر متميز أحبته الجماعة صار بمثابة الساعد الأيمن لموسى، وجعله المحرر التوراتي أخاً له تحت اسم هارون، وعن طريقه تشكلت شخصية موسى العبراني، فربما كان هارون هو ابن اللاويين عمرام ويوكابد (الخروج 6: 20) لا موسى. لذلك فقد تواشجت هاتان الشخصيتان حتى صرنا لا نستطيع تمييز أحدهما عن الآخر، فهما يكلمان بني إسرائيل معاً ويدخلان على الفرعون معاً ويكلمانه معاً: «بعد ذلك دخل موسى وهارون وقالا لفرعون…. إلخ»، وهنا لا ندري هل يتكلمان بلسان واحد أم أن أحدهما ينطق والآخر يسكت ثم يأتي دور الآخر. والفرعون يكلمهما معاً «فدعا فرعون موسى وهارون وقال لهما….». وعلى الرغم من أن موسى هو النبي، إلا أن خطاب الرب كان في معظم الأحيان موجهاً لهما معاً: «كلم الرب موسى وهارون في أرض مصر قائلاً…»، والاثنان يأتيان بالمعجزات لا موسى وحده: «إذا كلمكما فرعون قائلاً هاتيا عجيبة تقول لهارون…». والرب يعطي موسى العصا السحرية التي تصنع المعجزات: «وتأخذ في يدك هذه العصا التي تصنع بها الآيات»، ولكننا نرى أن هذه العصا تنتقل من يد موسى إلى يد هارون وبالعكس، وهي تدعى أحياناً بعصا هارون لا عصا موسى: «طرح هارون عصاه أمام فرعون وأمام عبيده فصارت ثعباناً». «ثم قال الرب لموسى قل لهارون خذ عصاك ومُدَّ يدك على مياه المصريين…». ثم تعود العصا ليد موسى: «فمد موسى عصاه نحو السماء فأعطت رعوداً وبَرَداً وجمر نار». «وقال الرب لموسى ارفع أنت عصاك ومد يدك على البحر وشقه». والأهم من ذلك كله أن الرب عندما غضب على موسى لأنه لم يكلم الصخرة لتعطي الشعب ماءً ليشرب وإنما ضربها بعصاه قائلاً بشك: أمن هذه الصخرة نُخرج لكم ماءً؟ (العدد 20: 11-1)، لم يعاقبه وحده وإنما شمل الاثنين بعقوبته وحكم عليهما بالموت قبل الوصول إلى الأرض الموعودة.

وفي أكثر من موضع نلاحظ ذلك التأكيد من قبل المحرر التوراتي على الوحدة التي لا تنفصم عراها بين موسى المصري وموسى العبراني الذي هو هارون، ومنها هذا المقطع اللافت للنظر: «هذان هما موسى وهارون اللذان كلما فرعون ملك مصر في إخراج بني إسرائيل من مصر. هذا هما موسى وهارون»- الخروج 6: 27-26.

——————————————————————————–

[i] المراجع:

جيمس هنري بريستد: فجر الضمير، ترجمة سمير سرحان، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة.

– سيجموند فرويد: موسى والتوحيد، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت 1973

[iii] Wellis Budge. Egyptian Magic, Rutledge, London 1979.

 

المنشورات ذات الصلة