معهد كارنيغي- الناس نيوز :
برزت خلال السنوات الماضية، مؤشرات تدل على ضغوط وتحديات غير قابلة للحل سوى باعتماد مراجعة جذرية في مقاربة الاقتصاد والسياسة التشاركية.
وثمة فرضية تسود الأردن الآن مفادها أم “كلفة الإصلاح أعلى من عدمه”. ولكن الباحث والوزير السابق مروان المعشّر يعارض هذه المقولة في مقالة له في كارنيغي الشرق الأوسط ويقول إن الشواخص التي تؤشر إلى أن الوضع الحالي يتعرض لضغوطات وتحديات كبيرة ماثلة للعيان.
ويقول المعشر “على الصعيد السياسي، لم تكن فجوة الثقة بين المواطن ومؤسساته يوماً أوسع مما هي عليه اليوم، بدليل آخر استطلاع أجراه مركز الدراسات في الجامعة الأردنية, والذي يشير الى أن خمسة وعشرين بالمئة فقط من الناس ينوون المشاركة في الانتخابات، وأن عشرة بالمئة فقط يعتقدون بأن البلاد تسير في الاتجاه الصحيح” .
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد أدى انحسار الحقبة النفطية في العالم العربي وانقطاع المساعدات الخليجية وتداعيات جائحة كورونا، إلى معدلات مرتفعة للبطالة وصلت رسمياً الى ثلاثة وعشرين بالمئة، وهي في ازدياد مضطرد، إضافة إلى انحسار الاستثمارات الخارجية وانكماش القطاعات الحيوية كالسياحة والتجارة، والتراجع الكبير في تحويلات المغتربين نتيجة عودة الآلاف من المواطنين العاملين في دول الخليج بسبب هذه الأزمات.
تبعاً لذلك، يضيف المعشر أن هناك اعتقاداً يتزايد بين صفوف المثقفين والعديد من السياسيين بأن الدولة الأردنية بحاجة لمراجعة جذرية لسياساتها الاقتصادية والتربوية وثقافتها السياسية باتجاه المزيد من التنوع والمشاركة الفعالة في الحياة السياسية وتعديل النهج الاقتصادي نحو تعزيز الإنتاجية وخلق المناخ المناسب والبيئة المحفزة كي يستطيع القطاع الخاص الإحلال مكان القطاع العام كمشغل رئيس للعمالة.
ويضف الباحث والسياسي المعروف أن النهج الحالي لا يشعر باستنفاد الأدوات القديمة لإدارة البلاد، وأن الوقت قد حان لتغيير استراتيجي في إدارة الدولة واعتماد أدوات جديدة قادرة على التعامل مع تحديات المرحلة الحالية. بل على العكس، فإن الشعور السائد لدى بعض النخب السياسية والأمنية الحاكمة في المجتمع الاردني اليوم، هو أن الشواخص المذكورة أعلاه لا تستدعي القيام بأي تغيير حقيقي، وأن من شأن أي تغيير جوهري أن يستخدم أدوات غير مجربة، كالتشاركية وتوسيع قاعدة صنع القرار وإعطاء القطاع الخاص دوراً أكبر مثلاً، وأن من شأن هذا التغيير أن يصل بالبلاد إلى شواطئ غير آمنة ونتائج غير مضمونة. كما أن هناك اليوم غياباً ملموساً لقنوات ذات مصداقية للحوار بين الدولة ومختلف مكونات المجتمع التي قد يكون لها رأي آخر في السياسات الواجب اتباعها مستقبلاً.
ويخلص المعشر إلى أن هناك مدرستين واضحتين في الأردن اليوم، واحدة تقول إن البلاد لا تحتمل كلفة الإصلاح، والثانية تزعم أن البلاد لا تحتمل كلفة البقاء في الوضع القائم. المدرسة الأولى مسيطرة على عملية صنع القرار، غير متأثرة بالتغييرات التي تشهدها البلاد. وتعتقد هذه المدرسة بإمكانية استدامة السلم الأهلي عن طريق الأدوات الأمنية ريثما ينفرج الوضع الاقتصادي، لكن دون وضع خطة متكاملة لهذا الانفراج.
في المقابل، هناك مدرسة أخرى يكاد يكون صوتها معدوماً في دوائر صنع القرار، تقول إن الإصلاح السياسي والاقتصادي باتا ضروريين ليس فقط للاستقرار والازدهار، وانما لإدامة السلم الأهلي ايضاً، وأن هناك حاجة لأدوات جديدة عنوانها التشاركية والانفتاح السياسي والإنتاجية لا تحظى بالاهتمام الكافي من دوائر صنع القرار.
ويقترح المعشر وجود منصة ذات مصداقية لحوار وطني قد يؤدي إلى حلول توافقية، لكن مثل هذه الحلبة غير متوفرة للأسف اليوم. ويبقى الأمل أن تقوم الحكومة الجديدة كما مجلس الأمة بشقيه، حتى مع وجود فجوة الثقة الواسعة، بتحرك جاد من شأنه إعادة الأمل في إمكانية الوصول إلى مثل هذه المنصة التوافقية.