نيويورك – الناس نيوز ::
منذ عرض آخر أفلام سلسلة هاري بوتر عام 2011 ويتوق محبو الفانتازيا إلى سلسلة جديدة تملأ هذا الفراغ، وظهرت عدة محاولات مشابهة له، ولكنها باءت بالفشل كلها، فلم توجد القصة التي تجذب الانتباه كما حدث مع الساحر الصغير “بوتر” ومدرسة “هوغورتس”. وهذا العام ظهرت محاولة جديدة لفيلم “مدرسة الخير والشر” (The School for Good and Evil).
وهذا الفيلم بحسب “الجزيرة نت “مقتبس من الرواية الأولى لسلسلة روائية تحمل الاسم ذاته، ونشر أول أعدادها عام 2013 ولاقت نجاحًا كبيرًا، وأشاد النقاد بذكائها وغرابة حكايتها، ولكن ليس كل نجاح أدبي يقود إلى آخر سينمائي؛ فالفيلم لم يحقق سوى 37% كمعدل تقييم على موقع “الطماطم الفاسدة” (Rotten Tomatoes)، فكيف أخفق الفيلم لهذه الدرجة؟
مدرسة التبسيط الزائد
فيلم “مدرسة الخير والشر” من إخراج بول فيغ، وشارك في كتابة السيناريو مع ديفيد ماغي، وبطولة صوفيا آن كاروزو وصوفيا وايلي وتشارليز ثيرون وكاري واشنطن، والأداء الصوتي للحائزة على الأوسكار كيت بلانشيت. وتدور أحداثه في جو من الفانتازيا وفي أرض الحكايات الخيالية، حيث نتعرف على الفتاتين المراهقتين صوفي وأجاثا؛ الأولى يتيمة الأم وتحلم بأن تصبح أميرة بمعجزة ما وتهرب من حياتها الفقيرة والبائسة، والثانية ابنة لعائلة من الساحرات، يكرهها أهل القرية وينبذونها، وعلى الرغم من التناقض في شخصية الفتاتين فإن صداقة كبيرة تجمعهما، ولكي تحقق صوفي حلمها تطلب الالتحاق بالمدرسة الأسطورية “مدرسة الخير والشر”.
“مدرسة الخير والشر” تبعًا للروايات هي المكان الذي يتخرج منه أبطال الحكايات الخيالية وأشرارها، وأغلب طلابها من أبناء وبنات شخصيات القصص الشهيرة، لذلك جاء التحاق صوفي وأجاثا سابقة لم تتكرر كثيرا على مدار تاريخ هذه المدرسة، ولم تكن صوفي في المدرسة التي تخرج الأميرات، بل في الخاصة بالأشرار على عكس أمنياتها، فأصبح هدفها الوحيد إثبات أن ذلك ليس مكانها، ومن هنا تبدأ مغامرة الفتاتين مع روح شريرة تكيد المؤامرات وتهدف إلى نشر الفوضى وتدمير المدرستين.
قصص أفلام الفانتازيا لا تحتاج لأن تكون معقدة، فهي في الأساس صراع بين الخير والشر، ولكن هذا المجاز البسيط قد يحمل خلفه أفكارا مختلفة؛ فأفلام هاري بوتر هي في الأساس قصة نضوج لطفل يتيم، يتعرف خلالها على الموت والفقد والشجاعة والصداقة، أما قصة “مدرسة الخير والشر” فافتقدت إلى ذلك؛ فحتى علاقة الصديقتين لم تُرسم بالعمق الكافي، فبدت في النهاية كصداقة من جانب واحد؛ أجاثا التي لم تجد ملاذا سوى في وجود صوفي، التي في سبيل طموحها لتكون أميرة جعلها تترك صديقتها مرات عديدة.
وقع فيلم “مدرسة الخير والشر” في أزمة متكررة في الأعمال المقتبسة عن عمل أدبي من عالم الفانتازيا تحديدا، وهي التعارض بين قدرة الأدب على بناء القصص الخلفية للعالم الخيالي للرواية قبل البدء في الحبكة الفعلية، هذه التفاصيل التي يتم تكثيفها في الفيلم السينمائي لطبيعة الوسيط الذي كل دقيقة منه على الشاشة تكلف مئات الآلاف من الدولارات، وامتلأ فيلم “مدرسة الخير والشر” بمشاهد الرجوع للماضي (الفلاش باك) لتوضيح الأساطير حول طبيعة المكان، وكيفية بنائه، مع راوية تكمل النقاط غير الواضحة، فأصبح الفيلم متخمًا، والحبكة الأساسية ضائعة في عملية البناء التي لم تفض لشيء.
مظهر بلا جوهر
يمتد زمن فيلم “مدرسة الخير والشر” إلى ساعتين ونصف الساعة، وهي مدة طويلة نسبيًا بالنسبة لفيلم فانتازيا خفيف، ولكن خلال هذه الدقائق لم نر أحداثًا حقيقية تشعل الإعجاب في ذهن المشاهدين، وتجعلهم يأملون المزيد، ويعد أفضل ما في العمل الجوانب البصرية، سواء تلك الخاصة بالأزياء وتسريحات الشعر التي يتضح فيها اهتمام المخرج وباقي التقنيين بالتفاصيل، أو الديكورات. وفي تصريح للمخرج بول فيغ قال إنه يرغب في أن تكون الشخصيات والممثلون الذين يقدمونها مندمجين بالفعل في العالم الفيلمي، وبالتالي تم بناء الكثير من الديكورات -بما في ذلك مدرستا الخير والشر- والمشاهد الوحيدة التي استخدمت فيها “الشاشات الخضراء” ووضع المؤثرات البصرية عليها لاحقًا كانت بداية الفيلم.
وبالتالي لقطات الفيلم جاءت جيدة بصريًا لكن من حيث الجوهر لم تستطع خلق الاهتمام المطلوب لدى المتفرج، فبدت طويلة وتمتد بلا نهاية، ولا تؤدي إلى ذروة حقيقية.
ما كان يجب التركيز عليه بصورة حقيقية في الفيلم هو فكرة مدرستي الخير والشر والتنميط الواقع على الأطفال فيهما، وكيف تم وضع صوفي التي تبدو كالأميرات بجسمها الصغير وشعرها الأشقر في مدرسة الشر، بينما السمراء ذات الشعر المشعث والطول الفارع في مدرسة الأميرات؛ فالمظهر الذي كانت تعتمد عليه صوفي كمفتاحها في العالم الخيالي لم يكن هو المهم في النهاية.
الفكرة الثانية أن التقسيم بين الخير والشر في المدرسة ليس حكمًا نهائيًا كما يظن كل الطلاب، ولا وصمة لا يمكن إزالتها، ففكرة المدرسة في الأساس تبدو واهية في عالمنا الحقيقي الذي يحتاج الأطفال أن يتعلموا فيه أن الإنسان كائن رمادي لا يمكن وضعه في قالب معين منذ الطفولة وتحديد مصيره من دون توقع تحديد قدرته على تغيير هذا المصير.