كانبيرا – سيدني – ملبورن – الناس نيوز :
توجه 17 مليون أسترالي إلى صناديق الاقتراع اليوم السبت، للمشاركة في الانتخابات التشريعية لانتخاب 151 ممثلاً عنهم للبرلمان و76 سيناتوراً لمجلس الشيوخ، بعد فترة عاصفة امتدت لثلاث سنوات متتالية.
وأمام الناخبين ملفات عدة، بدءاً من ملف التغيير المناخي، الذي يُصيب أستراليا بحدّة، بسبب الحرائق والفيضانات التي شهدتها البلاد، فضلاً عن غلاء المعيشة، الناجم عن تعطّل سلاسل التوريد، سواء بسبب تفشي وباء كورونا أو بسبب الغزو الروسي حالياً لأوكرانيا، وذلك وفقا لوكالات.
وهو ما أفسح المجال أمام تراجع الحزب “الليبرالي الأسترالي” المحافظ، بقيادة رئيس الوزراء سكوت موريسون، وتقدّم حزب “العمال” اليساري، بقيادة أنتوني ألبانيز في استطلاعات الرأي.
لكن في كانبيرا ورقة بيد المحافظين، تتجلّى في تعميق التحالف مع المعسكر الأنغلوساكسوني، عبر توقيع اتفاقية “أوكوس” في سبتمبر/ أيلول الماضي من جهة، وتوحيد البلاد أمام التمدّد الصيني في المحيط الهادئ، خصوصاً في جزر سليمان.
وعلى الرغم من المنافسة التقليدية بين المحافظين والعمال، المستمرة منذ عام 1946، مع تصدّرهما نتائج 29 عملية انتخابية متتالية منذ ذلك التاريخ، إلا أن الاستطلاعات بدأت تُظهر وجود طرف ثالث، عماده مستقلون يرغبون في الخروج من الثنائية الحزبية السائدة منذ 66 عاماً.
ومع تطلّع “الليبرالي الأسترالي” إلى محاولة الفوز بولاية رابعة على التوالي وتحفّز العمال للعودة إلى السلطة بعد 9 سنوات، أظهرت استطلاعات الرأي التي أجراها معهد “إيبسوس” أن الناخبين في القارة الشاسعة (لا تُصنّف أستراليا جزيرة) وهم عموماً من أكثر الأشخاص تفاؤلاً في العالم، هبطت معنوياتهم حالياً ويبدو أن الكثيرين يرغبون في الابتعاد عن الأحزاب التقليدية.
ومع توجّه نحو ثلث الناخبين إلى الخروج عن التصويت للأحزاب التقليدية، فإنه وفقاً لمختلف التحليلات في كانبيرا، يفضلّون الاقتراع لمرشحين شعبويين أو من اليمين المتطرف أو حتى مستقلين وسطيين يختلفون مع سياسات الليبراليين.
وعبّر المرشح المستقل زوي دانيال في دائرة انتخابية بمدينة ملبورن، عن ذلك، بقوله لوكالة “فرانس برس”، إن “الناخبين الليبراليين القريبين من الوسط، وهم على الأرجح محافظون على الصعيد الاقتصادي وتقدميون في المجال الاجتماعي، لديهم الشعور بأنه تم التخلي عنهم”.
وأكد الأستاذ بالجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا، مارك كيني لـ”فرانس برس”، أن السنوات الماضية “كانت صعبة جداً، والحكومة تواجه عدم رضى”.
وطغت على الحملة الانتخابية التي كانت حادة جداً في بعض الأحيان مسألة ارتفاع مستوى المعيشة، وهو مصدر قلق كبير للناخبين. وبحسب استطلاعات الرأي فإن القلق يسود خصوصاً لدى النساء والشباب الذين يُخشى أن يكونوا أكثر فقراً من أهاليهم، في أحد البلدان الأكثر تعرضاً لتغير المناخ.
ومع أن موريسون حقق “معجزة” بفوزه في عام 2019، إلا أنه بعد أشهر اندلعت حرائق غابات كارثية في شرق أستراليا، ما أوقع أكثر من 30 ضحية، كما أن قراره المغادرة إلى ولاية هاواي الأميركية في أوج هذه الأزمة ترك أثراً كارثياً على الرأي العام، وبالكاد طويت هذه الصفحة حتى بدأ وباء كورونا.
ومع أن موريسون نجح في البداية في تطويق تفشي الوباء، وارتفعت شعبيته، إلا أن التأخير في حملة التلقيح وإطالة أمد إجراءات الإغلاق ضمن المدن الكبرى وإغلاق الحدود على مدى عامين، أضعفته.
واعتبر بن راو الكاتب في مدونة “ذي تالي روم”، ذائعة الصيت في أستراليا، بأنه “في ذلك الوقت انتقل موريسون من تأخر بسيط في شعبيته إلى تأخر أكبر”، مضيفاً أن المحافظين “لم ينهضوا أبداً فعلياً منذ ذلك الحين”.
وحاول “العمال” استغلال النقمة، على الرغم من تضييق موريسون الفجوة في استطلاعات الرأي في الأسابيع الأخيرة، عبر سعي ألبانيز إلى تحويل الانتخابات إلى استفتاء حول أداء موريسون، ودعوته الناخبين إلى “طرد الكاذب”.
بدوره نشر الحزب “الليبرالي الأسترالي” شعارات تؤكد أن “الأمر لن يكون سهلاً مع ألبانيز”، في إشارة إلى أنه خطير و”لا يمكن التكهن بتصرفاته” في مجال السياسة الاقتصادية.
ويتمسك موريسون بإنجازين سياسيين، وهما توقيعه اتفاقية “أوكوس” (المعاهدة الأمنية المشتركة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا) الموقّعة في سبتمبر الماضي، وتوحيد البلاد بمواجهة الصين في المحيط الهادئ، خصوصاً في جزر سليمان، على الرغم من خسارته الأخيرة عملياً، بعد توقيعها معاهدة أمنية مع الصين.
في ملف “أوكوس”، خرج موريسون من الاتفاق الموقّع في عام 2016 مع شركة “مجموعة نافال” الفرنسية الذي بلغت قيمته نحو 89 مليار دولار، من أجل تموين البحرية العسكرية الأسترالية بالغواصات، إلى اتفاق مع الأميركيين والبريطانيين يضمن تزويد كانبيرا بغواصات أميركية تعمل بالطاقة النووية.
ومع أن علاقة كانبيرا بباريس تدهورت بشدّة بسبب هذا التحوّل، إلا أنه تمّ تجاوزه لاحقاً. وعُد الاتفاق مع واشنطن ولندن نقطة ناجحة لموريسون، الذي أظهر أن أستراليا قادرة على تمتين قوتها البحرية حيال الصين.
في المقابل، أدت أحداث جزر سليمان التي تبعد نحو ألفي كيلومتر عن أستراليا، في الأشهر الأخيرة، إلى تدخل صيني. فبين 24 و27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي اندلعت أعمال شغب في جزر سليمان، بعد قرار حكومتها التراجع عن الاعتراف بدولة تايوان من أجل توثيق التفاهم مع الصين.
وأدت الاضطرابات المعارضة لهذا التحوّل إلى إحراق مبانٍ تعود إلى برلمان البلاد في العاصمة هونيارا، فضلاً عن مقتل 3 أشخاص في الحي الصيني في العاصمة.
ولم تنجح قوات حفظ السلام الأسترالية المنتشرة منذ عام 2003 في جزر سليمان في وقف الشغب، علماً أن انتشار الأستراليين أوقف صراعاً إثنياً دام بين عامي 1998 و2003 في البلاد.
ودفعت التطورات هونيارا وبكين إلى تعميق تحالفهما، مع التوقيع على اتفاقية أمنية، تنصّ على “تعزيز الصين لقدرات الأمن القومي لجزر سليمان”، فضلاً عن أنه “يمكن للصين القيام بزيارات للسفن، وتنفيذ الاستبدال اللوجستي، والتوقف والانتقال في جزر سليمان”.
وتنصّ الاتفاقية أيضاً على “إرسال القوات الصينية إلى البلاد لحماية سلامة الأفراد والمشاريع الصينية”. وهو ما أثار مخاوف في الولايات المتحدة وأستراليا، من احتمال إرسال الصين قوات إلى جزر سليمان وإقامة قاعدة عسكرية دائمة هناك. وهنا يتسلّح موريسون بفكرة كونه أول من قرر مواجهة الصين، عبر تطوير القدرات العسكرية الأسترالية وتوقيع اتفاقية “أوكوس”.
ويتشكّل البرلمان الأسترالي من 151 مقعداً، ولتأمين الغالبية على الفائز أن يحظى بدعم 76 نائباً. وفي البرلمان الحالي، الذي انتُخب في عام 2019، بلغت حصة المحافظين 76 مقعداً، في مقابل 68 لـ”العمال”، و7 مقاعد لأحزاب صغيرة ونواب مستقلين. في المقابل، يتمثل المحافظون وحلفاؤهم بـ36 مقعداً في مجلس الشيوخ، في مقابل 26 لـ”العمال”، و14 مقعداً لأحزاب ومستقلين.