واشنطن – الناس نيوز
مع تنامي الخوف من وباء كورونا والشلل الاقتصادي الذي يعمّ الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ بعض المخاوف تبرز ليس على مرور فتر أخرى من الركود الاقتصادي فحسب وليس على الحالة الصحية للأمريكيين ولكن أيضا على المستقبل السياسي للولايات المتحدة.
وأصدر مركز الدراسات الأمريكية والعربية في الولايات المتحدة تقريرا قبل أيام دق فيه ناقوس الخطر من إمكانية تحول الولايات المتحدة إلى دولة فاشلة يحمها العسكر مثل دول كثيرة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وارتفع معدل الإصابات بوباء كورونا في أميركا من جداول حسابية إلى متتالية هندسية في غضون أيام معدودة، إضافة لشلل اقتصادي يلوح في الأفق تجسد في سقوط متواصل لسوق الأسهم، وتجري الأوساط السياسية الإعداد لحالة “ركود متضخم” تدريجياً وبحذر شديد.
كبريات المؤسسات، لا سيما شركات الطيران وصناعة السيارات والخدمات الفندقية، توسلت للإدارة الأميركية تقديم “معونات مالية عاجلة،” بمئات مليارات الدولارات، كي لا تنهار العجلة الاقتصادية، وفق تعليلهم لحجم الأزمة، وبدأت بتسريح العمال وإغلاق بعض المصانع – ولا زالت الأزمة في أيامها الأولى.
وما تقوم به إدارة الرئيس دونالد ترامب كما يرى التقرير هو محاولة مساعدة الشركات العملاقة على حساب الفئات العامل والطبقات الوسطى.
ورأى التقرير أن البيت الأبيض وقيادات الكونغرس ستقدم رشوى صغيرة للفئات الأكثر تضرراً، من الطلبة والعمال والموظفين والعمال الموسميين، بتقديم مسكنات مالية “لمرة واحدة” تفوق 1000 دولار بقليل؛ بينما توفر للشركات العملاقة (شريحة 1%) بصورة آنية، بل وبمبالغ أعلى مما تردد في البدء.
الإحصائيات وبيانات العاطلين عن العمل المتوفرة للأسبوع الثالث من شهر آذار الجاري تشير إلى قفزة عالية في عدد العاطلين، من 281 ألف حالياً إلى 2.25 مليوناً الأسبوع المقبل (أسبوعية فوربس 20 آذار)، بينما توقعت مؤسسة بانك او أميركا أن يقفز العدد إلى 3 مليون عاطل، وربما إلى 5 ملايين الشهر المقبل.
وقال التقرير إن معدل العاطلين عن العمل خلال أزمة الركود العالمية بلغ نحو 24%. أما التوقعات “المحافظة” للمعدل المنظور فإنه سيرتفع إلى آفاق “لم تشهدها البلاد منذ 40 عاما،” تصل إلى 20%.
وتدخلت الإدارة الأميركية بقوة في الأيام الأخيرة لدى وزارة العمل للضغط من جانبها على كافة أجهزة الولايات الأخرى الموازية من أجل إرجاء نشر بيانات العاطلين عن العمل في مواعيدها المقررة، والاكتفاء عوضاً عنها ببيانات عامة لا تتضمن أعداداً أو نسباً مئوية (يومية نيويورك تايمز 19 آذار الجاري).
يعتمد لاقتصاد الأميركي، وفق تقرير مركز البحوث، على منتجات الصين ليس في المنتجات الاستهلاكية فحسب، بل في صناعات الأدوية والعقاقير، مما حفز مجدداً قيادات في الحزبين التضامن مع نداءات الرئيس ترامب بإنزال عقوبات اقتصادية على الصين وتحميلها مسؤولية عجز ميزان التبادل التجاري، وانتشار موجة العداء والعنصرية ضدها.
وتستورد الولايات المتحدة “80 إلى 90%” من لقاحات المضادات الحيوية المختلفة من الصين و “70% من الأدوية المسكنة للآلام.” (شبكة فوكس نيوز 19 آذار الجاري، نقلاً عن مجلس العلاقات الخارجية).
من جانب آخر، المنتجات الزراعية بمحملها تعتمد بصورة كبيرة على العمال الموسميين والذين لا يتمتعون بأوراق ثبوتية على الأغلب. وهنا تتضح النزعة العنصرية ليس للإدارة الراهنة فحسب، بل لمجمل العملية الاقتصادية الساعية وراء تحقيق أكبر حجم من الأرباح بأقل قدر من الإنفاق على رواتب العمال وحقوقهم الطبيعية في الطبابة والرعاية الصحية المفقودة.
أما المواد الاستهلاكية الأخرى، من منتجات معلبة ومجمدة وتلك المعتمدة على دقيق القمح والذرة وقطاع النقليات والمخازن والتوريد، فمجملها تعمل آلياً بعدد بسيط من العمال. بيد أن الأمر لا يبعد شبح الكورونا عن الانتقال إلى ذلك القطاع غير المرئي من الإنتاج.
ورأى التقرير أن أي خلل مهما كان بسيطاً أو ثانوياً يطرأ على سلسلة التوزيع، من المعمل للمتجر، سيؤدي إلى اضطراب وربما اشتباكات بالأيدي، بداية، كما شهدنا في عدد من المتاجر في الآونة الأخيرة. ومن شأن الظاهرة أن تتفاقم بوتيرة أشد مع تراجع القدرات الإنتاجية والمرافق الأخرى التي تعتمد عليها.
عند هذا المفصل، يتردد السؤال عالياً بدور ومهمة الجيش والقوات المسلحة، إضافة للقوى والأجهزة الأمنية المتعددة، في القدرة على حماية السلم الأهلي؛ وتجديد المراهنة السياسية على القوة العسكرية استباقاً لما ستشهده البلاد من اضطرابات واحتجاجات شعبية، أرضيتها الصراع على توفير لقمة العيش.
وتدرك بعض مفاصل المؤسسة الحاكمة – كما يقول مركز الدراسات الأمريكية والعربية – أهمية توفير الغذاء اليومي للفرد وأبعاد اندلاع صراعات وشيكة على تلك الخلفية.
وكانت كلية الحرب التابعة لسلاح البر في الجيش الأميركي قد تنبأت قبل سنوات في إمكانية اندلاع إضرابات في الداخل الأميركي، ضمنته في تقرير لها نشرته عام 2008، ملخصه أن الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة “قد تؤدي لانتشار عصيان مدني شامل مما سيستدعي استخدام القوات العسكرية” لإخماده واستتاب الأمن.
ووفقا لمعلومات معدي التقرير، فقد استدعى البنتاغون نحو 20 ألف عسكري تحت الخدمة، كان من المقرر مشاركتهم دول حلف الناتو في مناورات عسكرية مطولة، وأعادتهم إلى قواعدها في الداخل الأميركي عقب انتشار وباء كورونا، تحسباً لأي طارئ ينجم عن اندلاع اضطرابات وعصيان مدني، أو إعلان الأحكام العرفية.
الوعود السياسية للسلطتين التنفيذية والتشريعية، بضخ فوري للأموال في العجلة الاقتصادية وحمايتها من الانهيار تدور حول مبلغ تريليون (ألف مليار) دولار؛ وهو مبلغ ليس باليسير توفيره حتى على دولة ثرية مثل الولايات المتحدة، على أقله في المدة الزمنية المنظورة. لذا لجأت المراكز الرأسمالية، كعادتها، إلى طرح بعض ديونها للشراء في الأسواق لتأمين المبلغ المطلوب، عبر آلية الاحتياطي الفيدرالي.
وقارن التقرير بين هذه الوصفة وما جرى اختبارها في ألمانيا النازية في عشرينيات القرن الماضي، والأرجنتين عام 2000، ودول أخرى، وقال إنها لم تثبت نجاعتها النظرية بل كانت وباء على القطاعات الأوسع في المجتمعات. وبرزت تجلياتها في انتشار معدلات الجريمة وحجز الشاحنات وسرقة المخازن ..الخ، ولن تكون الحالة الأميركية الراهنة استثناءاً لتجارب التاريخ.
واستنتج التقرير أن شبح الانزلاق إلى نمط من الحرب الداخلية يلوح في الأفق بوتيرة متدرجة، أشارت إليها الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام المختلفة استناداً إلى ما رصدته من إقبال كبير على شراء الأسلحة الفردية في الآونة الأخيرة. هذا بالإضافة إلى ظاهرة اقتناء السلاح المنتشرة أصلاً في المجتمع الأميركي مما يرفع سقف المراهنات واحتمالات الاصطدام بين قوى متعددة وبضمنها القوات العسكرية النظامية.