لندن – الناس نيوز ::
سنة 2020 فقد نحو 2800 أب وأم أطفالهم خلال الليل من دون سبب واضح. بحسب موقع “بيغ ثينك”، يعرف ذلك باسم “متلازمة موت الرضيع المفاجئ” (سايدس). لكنّ “سايدس” ليست شيئاً محدداً. يقول الباحث الرائد في المتلازمة واختصاصيّ الرعاية التلطيفيّة للأطفال في مستشفى بوسطن للأطفال وكليّة هارفارد الطبيّة ريتشارد غولدشتاين إنّ اسم المتلازمة هو مجرّد وصف.
وخلال حديث إلى شبكة “بي بي سي” في وقت سابق من السنة الحاليّة، أوضح غولدشتاين أنّ هذا الاسم “هو وصف لنتيجة. وتلك النتيجة هي أنّ رضيعاً يبدو بحالة جيدة يوضع (في السرير) لينام ويموت خلال نومه من دون سبب واضح”.
إنّ النظرة الهادئة والهانئة على وجوه هؤلاء الأطفال الحديثي الولادة لدى اكتشاف وفاتهم تشير إلى أنّهم لم يعانوا أو يتألموا. لكنّ الوجه الهادئ لا يجعل الوضع أقل إيلاماً بالنسبة إلى الأهل.
“نموذج الخطر الثلاثيّ”
ليس لدى العلماء أي فكرة عن سبب وفاة هؤلاء الأطفال خلال نومهم. النظرية الرائدة المسماة “نموذج الخطر الثلاثي” تقترح أنّ الوفاة تحدث حين تلتقي ثلاثة معايير رئيسية في وقت واحد: لدى الرضيع خلل كامن كما في جذع الدماغ مثلاً يجعله غير قادر على الاستجابة لانخفاض مستوى الأوكسيجين أو ارتفاع ثاني أوكسيد الكربون في الجسم؛ الرضيع معرّض لحدث مثير مثل النوم ووجهه نحو السرير؛ الرضيع في مرحلة غير مستقرة في النموّ وهي التي تمتدّ طوال الأشهر الستة الأولى من الحياة.
بعبارة أخرى، يكون الرضّع معرّضين أحياناً لمستويات منخفضة من الأوكسيجين أو مرتفعة من ثاني أوكسيد الكربون حين يكونون نائمين. لكن بينما يستيقظ الطفل عادة ويعيد تغيير وضعيته ويتنفس بسرعة أكبر كي يتخلّص من ثاني أوكسيد الكربون ويرفع مستوى الأوكسيجين، لا يستيقظ أطفال “سايدس” أبداً.
فرضيّة مهمّة… وإن أقلّ شهرة
بحسب التقرير، ثمة فرضيّة أقل شهرة بكثير انتشرت منذ ثلاثة عقود تقريباً. حدّد العالِم في جامعة كورتن الأسترالية جورج كريستوس أنّ حلم الرضيع قد يطلق حالة “سايدس” في ظروف نادرة جداً. وكتب سنة 1993 أنّ ثمة “تفسيراً محتملاً… هو أنّ رضيعاً يحلم عن الفترة التي كان فيها جنيناً، حين لم يكن عليه أن يتنفّس. وقد تتسبّب الأفعال الجسديّة المرتبطة بالحلم في توقف الطفل عن التنفس، منتجة وفاة محتملة”.
دعم كريستوس حجته بالعديد من الأمثلة، فلاحظ أولاً أنّ البشر يتصرّفون دوماً بما يتوافق مع محتوى أحلامهم في الحياة الواقعية. حين يحلم الناس بأنهم يختنقون، يمكنهم محاكاة الاختناق في الواقع. وحين يتبوّل الناس في أحلامهم بإمكانهم أن يبلّلوا السرير. وأشار كريستوس إلى دراسة عن الأحلام في جامعة ستانفورد وجدت أنّه حين حلم شخص بالسباحة تحت الماء، حبس نفسه فعلياً.
فيما الأطفال والبالغون يوقظون أنفسهم دائماً تقريباً حين تتحوّل أفعال الأحلام هذه إلى واقع، قد يفتقر بعض الرضّع إلى الدارات العصبيّة للقيام بذلك بحسب تكهّن كريستوس. بدون تلك الدارة، يمكن أن يكون حلم طفل بالفترة التي كان فيها داخل الرحم، أي حين لم يكن يتنفّس، مميتاً إن أوقف تنفّسه فعلاً.
اضطراب نوم حركة العين السّريعة
يعاني بعض البالغين اضطراب نوم حركة العين السريعة (REM) حين يجسّدون أحلامهم خلال فترة نوم حركة العين السريعة، وهي الفترة التي يكون الجسم فيها مشلولاً عادة. يمضي الرضيع عموماً ثماني ساعات في نوم REM مقارنة بساعتين للراشدين. في وقت مبكر، حين تكون ذكريات الرحم مهيمنة، من الممكن أن يتوقف الأطفال الحديثو الولادة والذين يعانون أحد أشكال اضطراب حركة العين السريعة عن التنفّس معيدين تمثيل حياتهم الجنينيّة. مع تقدّم الأطفال في العمر، تتبدّد هذه الذكريات، ما يقلّل فرص حدوث “سايدس”. تتراجع احتمالات حدوث سايدس بشكل مضاعف بعد بلوغ الأطفال الشهرين من العمر.
قد لا نعرف أبداً
فرضية كريستوس منطقية بديهياً ولديها مقدار لا بأس به من الأدلة غير المباشرة لدعمها، ولكن يحتمل أن تظل فرضيّة إلى الأبد. ما من طريقة لدراستها دراسةً أخلاقيّة. لا يستطيع المرء مراقبة آلاف الرضع الموصولين بأجهزة مسح الدماغ على مدى مئات الليالي لمعرفة ما إذا كان أحدهم سيموت خلال نوم ريمي. سيكون القيام بذلك وحشياً.
عوضاً عن ذلك، يمكن أخذ هذه الفرضية بالاعتبار مع نظريات أخرى لـ”سايدس” واستخدامها كدليل إرشادي لتفادي المتلازمة. أوصى كريستوس بأن ينام الأطفال على ظهورهم لا على بطونهم، لأنهم عندما ينامون عليها يميلون للانكماش إلى وضعية الجنين، ما يجعلهم أكثر عرضة للحلم بأنّهم في الرحم. وأوصى أيضاً بألا يوضع الأطفال الحديثو الولادة في بيئة شديدة الحرارة بما أنّ الدفء الوفير قد يحاكي الرحم.
تتوافق هذه التوصيات كثيراً مع إرشادات النوم الآمن التي نشرتها الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال. وضعُ الرضّع على ظهورهم من دون المبالغة في تكثيف الملابس والبطانيات هو إرشاد يُنسب الفضل إليه في تقليل نسبة وفاة الرضع خلال النوم من 155 حالة لكل 100 ألف سنة 1990 إلى نحو 90 لكل 100 ألف في الوقت الحالي.
ماذا لو كانت فرضية كريستوس صحيحة؟
كريستوس نفسه كتب: “يبدو أنّ هذا يعني عدم وجود علاج سحري أو لقاح لـ‘سايدس‘. الحلم جزء أساسي من نمو الرضيع”.وختم التقرير: “قد تكون متلازمة موت الرضّع المفاجئ مجرّد أثر جانبيّ نادر لكن مدمّر لنوم الرضّع”.