فواز حداد – الناس نيوز ::
يعود الحديث بين فترة وأخرى حول “سلام وستفاليا”، على أنه يصلح للتأمل، بما جرى في المنطقة طوال العقد الأخير، وما أدى إليه الربيع العربي من حروب في عدة بلدان، والتفكير بهذا الخراب، ومقارنته مع خراب أدت إليه حرب دامت ثلاثين عاماً من الحروب الدينية.
كمثال يجري التركيز على الشأن السوري على أمل وضع حد لحربه الضارية، وإحلال السلام، بالنظر إلى عوامل الشبه بين الحربين، فالسورية لا تخلو من جانب ديني مذهبي.
يعتبر الاتفاق الذي توصلت إليه أوربا إليه في عام 1648، قد أنهى الحرب، بعد اجتماع مندوبين عن الإمبراطور فرديناند الثالث، وممالك فرنسا وإسبانيا والسويد وهولندا، وحكام الولايات الألمانية.
أقروا خلاله جملة من المبادئ التي ستحكم العلاقات فيما بينهم، آملين أن تمنع اندلاع حروب جديدة، وأن تجنب القارة ويلات الصراعات الدامية والأحقاد المستمرة، التي دمرت الأخضر واليابس لسنوات طويلة.
نجح الاتفاق في طي صفحة حرب، راح ضحيتها نحو ثلث سكان أوربا. بينما الحرب السورية دامت حتى الآن أحد عشر عاما، ولا يستبعد إزاء الاستعصاء المتجدد أن تستمر ثلاثين عاماً، فاستعيد “سلام وستفاليا” كحل ممكن على الرغم من اختلاف الزمان، فقد مضى عليه نحو أربعة قرون، عدا عن اختلاف المكان فأوربا غير سوريا.
ما الجاهزية المتوافرة في سوريا لإجراء صلح على نمطه؟ لم يطرح هذا السؤال مراراً إلا لأن خبراء في النزاعات الدولية، وجدوا أنها حرب لا يمكن كسبها، فلا طرف يمكن له أن يربحها، وإنما يمكنه أن يحرم الأطراف الأخرى من الانتصار، في النهاية جميع الأطراف خاسرة.
وما قد تحققه الأطراف المتنازعة من مكاسب، عدا عن ضآلتها، قابلة للزيادة والنقصان، ومهددة على الدوام.
ترى إذا توافرت هذه القناعة، هل يمكن لهذه الأطراف الدخول في مفاوضات سلام؟ غير أن السؤال يجب أن يكون على الشكل التالي، هل النظام في سورية على استعداد لإبداء أي تنازل عن سوريا كدولة دكتاتورية متوارثة.
ما دلت إليه اجتماعات اللجنة الدستورية يشير إلى عدم توافره، على الرغم من وساطات عربية وضغوط دولية. لكن لنفترض أن النظام اقتنع على سبيل انهاء الحرب ووحدة سوريا، بإعادة النظر في قصة الدكتاتورية والوراثة.
بداية، لتصح المقارنة، اندلعت الحرب في أوربا كصراع ديني بين الكاثوليك والبروتستانت، ثم استمرت كصراع سياسي من أجل السيطرة على السلطة. بالتالي يمكن النظر إلى الحرب السورية على أنها في أحد وجوهها كانت حرباً دينية مذهبية، بالتالي يجب التفكير فيها بعلمانية، فالواضح هو الخلط بين الدين والمطامع السياسية، فانتزاع الدين من الأطراف ضرورة سياسية، لئلا يتخذ ذريعة، ما يوجب على قادة هذه المناطق التي أصبحت تتمتع بالاستقلالية سواء في دمشق، أو ما نشأ من إدارات في مناطق باتت مستقلة، الاتفاق قبل الدخول في المفاوضات، على ضرورة تحييد الدين، أي أن تتخلى كافة الأطراف عن ادعاءاتها الدينية، وذلك بفصل الدين عن السياسة، واستبعاد ما يمكن من خلاله تجنيد الطوائف في الحرب، فالشيعة والسنة والعلوية (من دون التطرق إلى الأديان والمذاهب الأخرى) كل منهم يمتلك حقائقه الدينية، من دون التعريف بهذه الحقائق، خاصة أنها لا تقبل النقاش، مع أنها بعرف الأطراف الأخرى عبارة عن عقائد، مع تاريخ غير موثوق، مشبوه بادعاءات ثأرية.
إن سحب الدين من النزاع الحاصل، يعني تحييده وعدم زجه في الترتيبات المتفاوض عليها، كما زج به في الحرب، أي ألا يكون عاملاً مؤثراً، فالطائفية أصابت السلم الأهلي بلوثة جنونية، فهل يمكن تحييده ومنع تداوله؟
الحرب التي بدت طائفية، لم تكن طائفية، بل جرى تسيّيسها، فالسنة ليسوا أعداء للعلويين ولا العلويين أعداء للسنة، تمزيق المجتمع السوري كان مقصوداً لتأليب الأديان والمذاهب على ما يدعى الأكثرية السنية التي يخشاها النظام، وهو ما انتهجه الانقلابيون الأوائل بتكتلهم بهدف الاستيلاء على الدولة، ولم تكن تصفيات العسكر لبعضهم بعضاً فيما بعد، إلا الطريق نحو دكتاتورية تعتمد على عصبية دينية، تدعي تمثيل الجميع.
السؤال مجدداً، هل من الممكن تحييده، ما دام أنه صالح للاستخدام، ولدى كل فريق القدرة على تجييشه، فالطائفية أصبحت صناعة يمكن إدارتها والتحكم بها، تظهر وتختفي حسب الطلب، ودائما بأوامر مشغليها. والملاحظ بوضوح أن تشغيلها، لم يعد عائداً للنظام والمعارضة، بل لأطراف خارجية كإيران وميليشيات غير منضبطة. فما أبعد قصة وستفاليا عن القصة السورية.
بعد حرب دموية مكلفة، مازال السوريون يدفعون أثمانها، باتوا بعد سنوات الموت والدمار، تواقين للتوافق على العيش معاً، لكن القوى الداعمة ليس لأنها غير جاهزة، بل تعرقل أي اتفاق، لذلك الثورة القادمة يجب أن تكون ضد الدول الممانعة أيضاً، وما النظام إلا صنيعتها.
لن تعود سوريا موحدة إلا بقطع أذرع روسيا البوتينية وإيران الملالي، واستبعاد النظام من أي حوار.
عندئذ، يتوافر الشرط المشجع على التفاوض الجاد بهذا المنحى تحت غطاء دولي، في حال إدراك الأطراف أنها حرب خاسرة للجميع، أي لا منتصر، الجميع مهزومون، وأن الاتجاه نحو السلام لا يتحقق الا بصناعته سورياً. واستعادة دولة هي دولة الجميع، لا أقليات ولا أكثرية، الشعب السوري هو الأكثرية الوحيدة.
أما درس وستفاليا فهو إذا كانت حرب الثلاثين قد خفضت من تعداد سكان ألمانيا البالغ عشرين مليونا إلى ثلاثة عشر مليونا، فالحرب السورية فقدت لا أقل من مليون ضحية من جميع الأطراف، وتهجير سبعة ملايين، إضافة إلى عشرات آلاف المعتقلين والمفقودين وأصحاب العاهات.
هل بوسع السوريين خسارة ستة ملايين إضافية، مع عشرين عاماً أخرى من القتال اللامجدي، ليعقدوا صلحاً فيما بينهم رغما عنهم؟ إذا كان، فالحرب ليست عبثية فقط، بل غبية أيضاً.
* هوامش تعريفية .
صلحُ وستڤاليا أو سلامُ وستڤاليا
ويكيبيديا: (بالإنجليزية: Peace of Westphalia) هو اسمٌ عامٌّ يُطلقُ على معاهدتيْ السلامِ اللتيْنِ دارتِ المفاوضاتُ بشأنِهِما في كلٍّ منْ مدينتيْ أوسنابروكَ (بالألمانية: Osnabrück) (والتي أضحتْ تلقبُ بمدينةِ السلامِ منْ بعدُ) ومونسترَ (بالألمانية: Münster) في وستڤاليا، وتمَّ التوقيعُ عليهِما في 15 مايو/أيارَ لعامِ 1648م و24 أكتوبر/تشرينَ الأولِ 1648م وحُرّرّتا باللغةِ الفرنسيةِ.
أنهتْ هاتانِ المعاهدتانِ حربَ الثلاثينَ عاماً في الإمبراطوريةِ الرومانيةِ المقدسةِ (وقعُتْ معظمُ مسارحِ هذهِ الحربِ في ألمانيا القديمة بحدودها ما قبل الحرب العالمية الأولى)، وحربُ الثمانينَ عاماً بينَ إسبانْيا ودولةُ المقاطعاتِ السبعِ المنخفضةِ المتحدةِ (أو فيما بعد هولنْدا).
وقعَها مندوبونَ عنْ كلٍّ منْ الإمبراطورِ الرومانيِّ المقدسِ فرديناندِ الثالثِ (37-1657م) (منْ آلِ هابسبورج)، وممالكِ فرنْسا، وإسبانْيا والسويدِ، وجمهورية هولندا، والإماراتِ الكاثوليكيّةِ والبروتستانتيّةِ التابعةِ للإمبراطوريةِ الرومانيةِ المقدسةِ.
يُعتبرُ صلحُ وستڤاليا” أولَ اتفاقيّةٍ دبلوماسيّةٍ في العصرِ الحديثِ وقدْ أرسى نظاماً جديداً في أوروبا الوُسطى والغربيّةِ مبنياً على مبدأِ سيادةِ الدولِ.
أصبحتْ مقرراتُ هذا الصلح جزءاً منَ القوانينِ الدستوريّةِ للإمبراطوريةِ الرومانيةِ المقدسةِ.
غالباً ما تعدُّ اتفاقيةُ البرينيه الموقّعةُ سنةَ 1659م بينَ فرنْسا وإسبانْيا جزءاً متمّّماً للاتفاقِيّاتِ العامّةِ المعروفةِ بـ”صلحِ وستڤاليا”.