ميديا – دمشق – الناس نيوز ::
المجلة – إبراهيم حميدي – اللواء مرهف أبو قصرة يكشف في حديث شامل، تفاصيل الخطط العسكرية التي بدأت قبل 4 سنوات من بدء معركة الدخول إلى حلب ثم دمشق العاصمة
اللواء مرهف أبو قصرة وزير الدفاع في الحكومة السورية الجديدة، أحد أبرز القيادات في العهد الجديد ليس بحكم منصبه وحسب، بل بحكم دوره سواء بلعب دور قيادي في عملية “ردع العدوان” التي انطلقت في 27 نوفمبر/تشرين الثاني وانتهت بإسقاط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول، أو بدوره في الإعداد لهذه المعركة من جميع الجوانب:العقيدة والتدريب والتسليح والتخطيط، بقيادة أحمد الشرع رئيس “هيئة تحرير الشام”، الشيخ “أبو محمد الجولاني”، الاسم الحركي السابق.
وإضافة إلى دوره السابق، فإن اللواء أبو قصرة، الذي يعرف باسم “أبو حسن 600” نسبة إلى اسمه الحركي السابق خلال قيادة الجناج العسكري في “الهيئة”، يتولى حاليا عملية تأسيس الجيش السوري الجديد، ليكون مختلفا كليا عن الجيش السابق. وعقد عشرات اللقاءات مع قادة الفصائل والتنظيمات العسكرية للوصول إلى أفضل هيكلية للجيش.
حملت إلى اللواء أبو قصرة في مكتبه بمبنى هيئة الأركان قرب ساحة الأمويين وسط دمشق، الكثير من الأسئلة في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ سوريا، تتعلق بالإعداد لـ”ردع العدوان” وإسقاط الأسد والتدريبات العسكرية وقصة المسيرة “شاهين”، إضافة إلى الموقف من التهديدات الإسرائيلية والإيرانية، والعلاقات مع الدول العربية، والمؤتمر الوطني السوري، إضافة إلى مستقبل العلاقات مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
وردا على سؤال عما إذا كان الهدف من عملية “ردع العدوان” الوصول إلى دمشق وإسقاط الأسد أم الدخول إلى حلب فقط، يقول وزير الدفاع في حديثه إلى “المجلة”: “كان القائد (أحمد الشرع) لديه بصيرة ويقول في خطاباته سنصل إلى دمشق وسنصل إلى حماة. هذا النوع من التفاؤل كان موجودا، لكن في البداية للأمانة كان الهدف التركيز على حلب”. لكنه استطرد أنه “بعد تحرير حلب، دخلت إلى قلوبنا قناعة” إمكانية سقوط نظام بشار الأسد.
أجرت “المجلة” الحوار الموسع مع اللواء مرهف أبو قصرة في مكتبه بمقر رئاسة الأركان السورية في دمشق، وتنشره في حلقتين، وهذه الأولى:
* متى بدأ الإعداد لمعركة “ردع العدوان”؟
– حملة النظام التي بدأت في أبريل/نيسان 2019 وانتهت في مارس/آذار 2020، حصلت فيها خسارة منطقة عسكرية كبيرة. عندما انتهت الحملة الأخيرة في مارس 2020 بدأنا في وضع خطوات لإعادة بناء قواتنا العسكرية. كنا خارجين من معركة وهناك خسارة جغرافية كبيرة وهناك حالة معنوية منخفضة سواء لدى المجتمع بشكل عام أو حتى لدى العسكريين.
بدأنا تغيير عقيدتنا العسكرية بناء على هدف مهم جدا هو حاجة المعركة. تدرجنا في قتال النظام منذ بداية الثورة بثلاث مراحل.
*ما هي؟
المرحلة الأولى 2011-2012 هي المرحلة التي واجهنا فيها النظام فقط، والحمد لله استطعنا أن نكسره ونحن نزعم أن النظام سقط آنذاك لكنه استنجد بإيران.
المرحلة الثانية 2013-2014 هي المرحلة التي واجهنا فيها النظام وإيران معا. أيضا كلاهما انكسر في أوائل 2015.
* في مارس 2015…
– صحيح. هنا النظام وإيران استنجدا بروسيا وفعلا دخلت روسيا في سبتمبر/أيلول 2015. وهنا فعلا دخلنا في مرحلة عسكرية جديدة، مرحلة كانت فيها تحديات من الناحية العسكرية لها تفاصيل كثيرة.
غاب القرار المركزي بسبب عدم التوحد بين جميع الفصائل العسكرية لأسباب كثيرة. لكن غياب القرار المركزي عن القوات العسكرية وعدم توحد الفصائل في جيش واحد، هذا الأمر بصراحة كلفنا الكثير. لذلك عندما بدأت الحملة التي ذكرتها الآن في 2019، صمدنا صمودا جيدا الحمد لله سواء على جبهة الساحل، التي استمرت الحرب فيها ما يقارب 11 شهرا، وصمدنا أيضا جهة ريف حماة الشمالي مناطق كفر نبودة وتل عثمان وتلك المنطقة، ولكن الصمود كان لمدة ثلاثة أشهر ونصف، بعدها تعرضنا لخسارة كبيرة.
خسرتم معرّة النعمان أيضا ؟…
خسرنا كل الـ”إم5″ (طريق حلب– دمشق) أي ريف حلب الغربي سراقب، معرة النعمان، خان شيخون، كل هذا الخط سقط ولكن الله سبحانه وتعالى وفقنا وصمدنا في جبهة في ريف اللاذقية وحافظنا على “إم4” (طريق حلب- اللاذقية). هنا تم إيقاف المعركة وأصبح هناك منطقة “خفص تصعيد”.
اتفاق بوتين– أردوغان في مارس 2020…
سمّيت تلك المنطقة “منطقة خفض تصعيد”. هنا بدأنا وضع خطة عسكرية لإنقاذ الوضع. الخطة تفاصيلها كثيرة جدا لكنها مبنية على نقاط أساسية.
النقطة الأولى: رفع الحالة المعنوية للقوات العسكرية، للقيادات وصف الضباط وللجنود حتى نرفع من هممهم، فالمعركة تحتاج إلى إرادة وإلى عزيمة. وضعنا برامج لرفع الحالة المعنوية واستطعنا ذلك خلال أربع إلى خمس سنوات عبر برامج استهدفنا فيها الأفراد والقيادات الأساسية وحتى القيادات المتوسطة. وبعد سنة ونصف بدأت الحالة المعنوية ترتفع بشكل جيد.
كنا نقول إن الحالة المعنوية وحدها لا تكفي بل يجب أن يوافقها أثر عسكري، تدريب عسكري وتكتيك عسكري. الذي خلق لدينا نقلة نوعية أننا بنينا قواتنا على هدف واحد وهو أننا استطعنا أن نكسر النظام أول سنتين، ثم استطعنا أن نكسر النظام وإيران، ولكننا بقينا على ذات التشكيل وذات الترتيب ثم دخلت روسيا، فالعدو تطور ونحن بقينا على نفس الترتيب فخسرنا في 2019-2020. فالأخذ بالأسباب من أعظم أسباب التوفيق.
* أنت أشرفت على تلك العملية
– جمعت الناس في شهر يونيو/حزيران 2020 وكنا حينها نحضر للخطة التي سنقوم بها. الخطة اسمها “عقيدة عسكرية”.
كانت لدينا قوات لها ارتباط مناطقي، ولها ارتباط له علاقة بالمهجرين الذين أتوا من المحافظات، فألغينا كل الأجسام العسكرية التي لدينا. كان لدينا مصطلح “جيش” و”لواء” و”كتلة”. فللمهجرين من المحافظات، أنشأنا لكل محافظة “كتلة”. وهذه التجربة لم تنجح. ألغينا كل هذه التسميات. أردنا الانتقال من حالة “الكتل” مع الإمكانيات المادية مع الطاقات البشرية مع الكوادر، من الحالة التقليدية الكلاسيكية إلى بناء لواء عسكري يستطيع تنفيذ مهام قتالية دفاعية وهجومية بمعزل عن أي تعزيزات قد تأتيه.
* أشرفت على ذلك رغم أنك مهندس زراعي…
– صحيح ولكن لدي خبرة عسكرية كبيرة منذ بدء الأحداث. خدمت في القوات المسلحة كضابط مجند اختصاص مدفعية ميدان وتسرّحت قبل اندلاع الثورة. وكانت لدي خبرة قوية في المدفعية.
* كثير من القادة العسكريين في التنظيمات لديهم خلفية هندسية…
– صحيح، يكون لديهم حس الإدارة. هنا بدأنا بتنظيم القوات العسكرية بحيث ألغينا جميع التسميات ونقلنا كل الكوادر. وكنت أُسأل ما الخطة العسكرية فأقول لهم إننا نريد نقل هذه القوات إلى حالة جديدة تحقق عقيدة عسكرية تتوافق مع حاجة المعركة. ولتوضيح ذلك أكثر: أنت لديك قوة عسكرية وأمامك جيوش نظامية، إيران والنظام وروسيا كلها عبارة عن جيوش مدربة نظامية وكنا نصف أنفسنا آنذاك أننا “هجين” فُرض عليه مواجهة جيوش نظامية. بالمنطق البشري هذا الأمر صعب جدا. لكن الحمد لله تمكنا من نقل الحالة السابقة الكلاسيكية العشوائية إلى حالة منظمة. فاستحدثنا الألوية العسكرية ووضعنا لنا أسسا وأهدافا واضحة.
* الأمر الثاني؟
الأمر الثاني المهم جدا والذي أحدث نقلة نوعية في العلم العسكري هو أن الشجاعة مطلوبة في كل زمان ومكان في الجيش، ولكنْ الشجاعة من دون ربطها مع العلم، إذ إن المعركة طالت وأصبحت معركة تقنية، فالعدو لديه استطلاع نهاري واستطلاع ليلي ولديه قتال ليلي ولديه ربط المدفعية مع الاستطلاع بشكل قوي جدا، فالمعركة تطورت. حتى الشجاع إذا لم يكن هناك علم عسكري يصقل هذه الشجاعة سيخسر خسارة كبيرة حتى في الأرواح.
الحمد لله، استحدثنا “الكلية العسكرية” وأحضرنا كبار الضباط الذين انشقوا عن النظام، واستحدثنا “الكلية العسكرية” في “حكومة الإنقاذ”.
* متى كان ذلك؟ في أي سنة؟
– في 2021. وبدأنا بتقسيم الناس إلى أقسام. فلا يجب أن يكون جميع العناصر ضباطا، بل هناك أفراد وصف ضباط. وكان لدينا الإدارة العامة للتدريب و”الكلية العسكرية” والذي يجب أن يكون ضابطا. تمت كتابة منهاج تدريب يلبي حاجة المعركة. وطبعنا له كراسات وكتبا عسكرية في كافة التخصصات: الطوبوغرافيا والتكتيك والاستطلاع والهندسة وغيرها. وأدخلنا عليها جميع القادة العسكريين، وكان لها برنامج للدوام وهناك أشخاص نجحوا وآخرون رسبوا، وفي النهاية حصلوا على شهادة بكالوريوس في العلوم العسكرية.
* الدورة مدتها ستة أشهر؟
– سابقا “الكلية الحربية” لدى النظام في حمص كانت مدتها ثلاث سنوات. عندما بدأت الثورة السورية رفع النظام حالة الطوارئ واختصر هذه الدورة بتسعة أشهر واعتبرها سنة، وأعطى استثناء لصف الضباط بمدة ستة أشهر. نحن اعتبرنا القادة العسكريين صف ضباط وخضعوا لدورة مدتها ستة أشهر.
الذي لم يكن لديه نصيب بدخول “الكلية العسكرية” أدخلناه إلى الإدارة العامة للتدريب بكافة التخصصات: المدفعية والقوات الخاصة والقتال الليلي والتكتيك وغيرها. فأحيينا دور العلم في الإدارة العامة للتدريب وفي “الكلية العسكرية”. بدأت البرامج التوعوية ترفع من همة القوات العسكرية بالإضافة إلى إحياء دور العلم ونقل القوات إلى العقيدة العسكرية الجديدة. ركزنا على عدة أمور.
أولا، الألوية العسكرية جميعها كان فيها استطلاع ليلي ونهاري. في المعركة الأخيرة التي جرت كانت هناك قوات عسكرية وبث مباشر إلينا بحيث نرى المعركة ليل نهار وهذا يعتبر قوة تقنية.
* كقيادة أم ككوادر؟
– كقائد وحدة لديه غرفة عمليات يرى قواته كيف تتقدم وأين وصلت ويرى من أين تأتي المؤازرات إلى العدو من خلال تقنية البث المباشر التي أنشأناها بجهد محلي.
* حضرت تسجيلا لمعركة الخطاب في ريف حماة، تبدو كأنك تشاهد فيلما سينمائيا…
– كله كان بثا مباشرا ليل نهار، فقوينا الاستطلاع الليلي والنهاري بشكل ممتاز. الأمر الآخر، أصبح لدينا أيضا قوة في القتال الليلي. سابقا في الحملة الماضية كان يمكننا العمل نهارا ولكن عندما يأتي الليل بصراحة كانت لدينا معاناة إذ كان الجيش يحشد قواته ولديه القدرة على القتال الليلي فيأخذ منا المناطق. لذلك أصبح لدينا مجنزرات بالليل، أيضا قناصات ليلية وأسلحة متوسطة وخفيفة، أي منظومة كاملة للقتال الليلي، سواء بالاستطلاع أو بالأسلحة الفردية أو المتوسطة أو الثقيلة. ففي “ردع العدوان” لله الحمد كانت هناك قدرة على القتال بالنهار وهناك قوات ليلية تتقدم في الليل مما زاد من انهيار النظام إذ لم نعطه المجال لالتقاط أنفاسه وترتيب أوراقه.
أيضا، اهتممنا بالصناعات الحربية المحلية.
جميعنا كصحافيين ومحللين استوقفنا موضوع “شاهين”، ما قصتها؟
– قمنا بتوحيد الصناعات الحربية، بعد أن كانت أكثر من جهة وحدناها في 2020 تحت إدارة واحدة وقيادة واحدة ووضعنا لها أولويات. التصميم بحر مليء بالاجتهادات وكنا نؤطر ذلك بحاجة المعركة. صنّعنا المصفحة التي رأيتموها وهي تعتبر ثروة وطنية، تصنيعها كله ناتج محلي، الحمد لله. وكانت لها مواصفات من التصفيح والعزل وكانت رائدة ورآها جميع السوريين في المعارك. وكان لدينا خطّا إنتاج لها.
* كم قطعة أنتجتم منها؟
– أتحفظ عن ذكر العدد ولكن تصنيعها ليس سهلا. الجيوش لا تعتمد على المصفحات لأن لديهم المجنزرات. ولكن بسبب قلة عدد المجنزرات اضطررنا للمصفحات. الجيوش اليوم لا تستخدم المصفحات إلا ربما من قبل حرس الحدود والهجّانة ومثل تلك الأمور. بسبب قلة المدرعات استخدمنا هذه المصفحة.
* و”شاهين”؟
– سأشرح لك عنها، لا تقلق.
كان لدينا أيضا تصميم بما يخص المدفعية التي كانت نوعين: الهاون وله أكثر من نوع من القذائف والمسافات والعيارات، وكنا نصنّع السلاح ونصنّع القذائف الخاصة به وحققنا نتائج جيدة فيه ومسافات جيدة. وكان لدينا تصنيع لثلاثة صواريخ اسمها المدفعية الصاروخية: الراجمة التي كنتم ترونها عبر الإعلام وكنا نشتري السيارة ونصنّع الصاروخ أو الطلقة وكنا “نصنّع” الطاقم الذي يحتاج إلى إعداد وتدريب. العملية تمر بعدة مراحل. اليوم في المدفعية أربعة مستويات. يخضع لمقابلة أولية مع لجنة المدفعية فيُقبل ويدخل المستوى الأول وله منهاج خاص اسمه “عتاد وذخيرة”. عندما ينجح في المستوى الأول يأخذ بطاقة ويدخل المستوى الثاني “علم الرمي”. ينجز المستوى الثاني ويحصل على بطاقة المستوى الثاني ويدخل المستوى الثالث “قيادة نيران”، يليه مستوى “تكتيك مدفعي”.
يتدرج العنصر وكل مستوى له علم، وكنا نزور الدورات ونسأله أي دورة أنت؟ فيقول “قيادة نيران” أي المستوى الثالث، أو “تكتيك مدفعي” أي المستوى الرابع أو “علم الرمي” أي المستوى الثاني. هذا العلم وهذا التسلسل تابعته ورش أو لجان لكتابة المنهاج، لجان لوجستية لتأمين الأماكن، لجان من أجل الألوية العسكرية، أطر باتجاه الإدارة العامة للتدريب.
هذا على صعيد المدفعية، قس على ذلك جميع التخصصات، التي كانت فيها مستويات، القتال الليلي كان على ثلاثة مستويات، القنص كان على ثلاثة مستويات ويتّبع الترتيب ذاته… لجنة، مقبول أو مرفوض، يصلح للقنص أو لا يصلح، يصلح يدخل إلى المستوى الأول، ثم الثاني فالثالث، ويحصل على بطاقات ثم يتم تسليمه قنّاصة.
في الحالة الكلاسيكية السابقة كان يأتي عنصر إلى القناصة من دون تدريب فكيف يمكنه إصابة الهدف؟
هذا بالنسبة إلى الهاونات والمدفعية الصاروخية.
أيضا النظام وضع أمامنا أثناء اقتحاماتنا عليه شبكة كبيرة من الألغام، ألغام ضد الأفراد وضد الدروع، والحمد لله سلاحنا المدرع الموجود. الحمد لله صنّعنا كاسحة محلية، ونقوم بتركيب الكاسحة في مقدمة الدبابة وتدخل الآلية تكسح الألغام وتفتح الطريق للمشاة والمصفحات. صنّعنا ولله الحمد كاسحة تزن 4 أطنان كان لها دور كبير في المعركة.
* التصنيع كان يتم في ظروف صعبة، أو في أماكن تحت الأرض…
– صحيح، نحن عانينا جدا وفي منطقة صغيرة، كنا في منطقة تشكل 6 في المئة من مساحة سوريا. عانينا بلا شك. حتى عملية التدريب، تدريب القوات العسكرية التي ذكرتها الآن، كان لدينا شهريا ربما ثلاثة آلاف شخص يخضعون لمعسكرات، وهناك تدريب مستمر سواء للمنتسبين الجدد أو حتى القوات القديمة وهناك إعادة هيكلة مستمرة، وهناك استطلاع وقصف. عملنا في ظروف صعبة وكانت هناك معاناة يومية وكان علينا في بعض الأحيان إخلاء دورات أو اختصارها وكان هناك قتلى وجرحى قضوا خلال عملية التدريب ولم يكن أمامنا خيار.
* هذه مسألة مهمة. كانت عمليتا التصنيع والتدريب تتمان تحت القصف…
– صحيح، في ظروف صعبة جدا وكان المسؤولون يراقبون على مدى 24 ساعة جميع التحركات، ولدينا استخبارات عسكرية تُعلمنا أنه في الغد مثلا سيحصل قصف فنلغي الدورة أو نؤجلها.
وبالنسبة إلى “شاهين”؟
– بالنسبة إلي “شاهين” هي ليست طائرة اسمها “شاهين” بل كتائب اسمها “شاهين”، فنحن لدينا أكثر من نوع. كنا نركز على عدة أمور، فهناك أنواع للاستطلاع، هناك طائرة نستخدمها للاستطلاع القريب مع بث مباشر، وطائرة نستخدمها للاستطلاع البعيد أيضا مع بث مباشر.
* على مدى 50 أو 100 كلم لطائرة الاستطلاع؟
– تقريبا، وهذا لطائرة الاستطلاع. وهناك نوعان آخران هما “القاصف” و”الانتحاري”. “القاصف” من أنواع مختلفة تحمل أوزانا مختلفة، فمنها ما يستطيع حمل 10 كلغ وأخرى 15 كلغ وغيرها 20 كلغ وتمكنا من تحقيق نتائج قاصفة يمكنها الطيران 150 كلم لرمي الهدف والعودة 150 كلم.
* إذن عمليا كان يمكنكم الوصول إلى قاعدة حميميم الروسية؟
– صحيح. أيضا كانت لدينا طائرات لمسافات قريبة مثلا 10-15 كلم بيننا وبين العدو يمكن تحميلها أوزانا.
* هل كانت تلك جزءا من المعركة؟
– صحيح. كانت هناك طائرات للمسافات البعيدة وطائرات للمسافات القريبة والمتوسطة وطائرات استطلاع. وكنا نعتمد جميع هذه النماذج.
* وكلها تصنيع محلي؟
– كلها تصنيع محلي.
ألم يكن هناك أي إفادة أو دعم خارجي؟
– أبدا ولا من أي أحد. كنت المشرف الأول والمسؤول الأول عن هذه الأمور وأنا أسميتهم “شاهين”.
* لماذا أسميتهم “شاهين”؟
– كانت لدينا طائرة اسمها “صقر” وطائرة اسمها “بتّار” وطائرة اسمها “شامل” فأتوا إليّ يوم أصبح لدينا إذن بعد أن عُقِد مؤتمر صحافي عندما جاء إعلاميون مستقلون إلى المناطق المحررة، وكانت توجيهات القيادة أننا نريد رفع همّة الناس. الناس تسأل ماذا فعلتم؟ فأول مؤتمر عقدته كـ”فتح مبين”.
* في غرفة عمليات “الفتح المبين”؟
– نعم. مؤتمر منشور وتجده على “يوتيوب”. يومها جهزنا “ألبوما” وضعنا فيه صور كل المعدات التي جهزناها: القنّاصات النهارية والليلية، القناصات الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، كاسحات، جرافات على الدبابات، “شاهين” و”شامل”، وآنذاك لم تكن تسمى “شاهين” في المؤتمر الأول. نحن استأذنا الإعلاميين بحيث إننا لن نسمح لهم بالتصوير بل نسمح لهم برؤية ما صنّعنا وأشرح لهم عنها حتى لا تنتشر (الصور) إذ كنا نخشى من ردة فعل القصف.
ربما شاهدت المقطع الذي نشر وتظهر في نهايته طائرات “شاهين” خلال إقلاعها، هذا مقطع قديم وليس جديدا. هذا المقطع عمره سنتان عندما كنا سنقابل الإعلاميين كان المقطع موجودا. وقلت لهم إن الطائرة يجب أن تحظى باسم انقضاض، اسم طائر جارح مثلا. قالوا هناك “صقر” و”بتّار” وهناك “شامل” فما الاسم الذي ستطلقه عليها؟ استبعدنا “نسر” لأن فيه تقليد للنظام إذ إن النسر كان مهماً لديهم. فخطر لي “شاهين”، أحد الطيور الجارحة. وقلت “لواء” اسم كبير و”كتيبة” اسم صغير، فنسميها “كتائب شاهين” واعتمدنا الاسم.
* إذن لا علاقة لـ”شاهين” السورية بـ”شاهين” الإيرانية؟
– لا. سُئلت من كثيرين عما تردد من دعم. بالنسبة إليّ لم ألتق بأحد ولم يلتق بي أحد.
* لم يساعدكم أحد؟
– لا من قريب ولا من بعيد، ولا بأي شيء. لا بشيء تقني ولا بشيء كيميائي ولا أي شيء. الموضوع عبارة عن الشباب الموجودين لدينا، مهندسون بكفاءات جيدة الحمد لله. وضعنا لهم أهدافا وخطوات وأمّنا لهم البضاعة وبدأوا بالعمل.
* كم عدد طائرات “شاهين”؟
– كانت هناك خطوط إنتاج وكنا نعمل بالطاقة القصوى لكن ليس لدي رقم دقيق.
* بالآلاف؟
– أكيد الرقم أكثر من مئات، وبعض الطائرات تتحطم.
كلها كانت صناعة محلية…
– صحيح كلها صناعة محلية كاملة.
* معركة خطاب التي شاهدت تسجيلا لها، هل كانت بطائرات “شاهين”؟
– ليس شرطا أن تكون صُوّرت بطائرات “شاهين”. عموما، الطائرات المسيّرة لديها مشاكل تقنية كثيرة، منها مشاكل في العبوات وطريقة التحكم. الحمد لله نحن جربناها في فترة الهدوء قبل المعركة وكان لها دور جيد الحمد لله.
أيضا كان لدينا تطور في صناعة القنص. الحمد لله كانت لدينا قنّاصات وحصل تطور كبير فيها وكان لديها دور كبير في المعركة الحمد لله.
بذلك أصبح هناك عمليا استعداد كامل…
– كان هناك إرادة، عقيدة عسكرية، تغيير بنية الجيش، التركيز على تنظيم الجيش والقوات بشكل منظم، توزيع المهام بطريقة صحيحة، تدريب عال، تصنيع محلي من كافة الأمور التي ذكرناها.
* بدءا من 2020؟
– صحيح، وبقينا على ذلك لمدة أربع سنوات ونصف السنة، جهزنا القوة وقلنا إن المعركة لها ركيزتان: إعداد زائد وانتظار فرصة.
* متى رأيتم أن الفرصة قد حانت؟
– رأينا أن الفرصة سنحت عندما وجدنا أن هناك انشغالا من حلفاء النظام جميعهم، كلٌ في معركة في جهة. الأمر الآخر، كان هناك قصف شديد خلال السنة الأخيرة على الناس في إدلب، قصف شديد لا يُطاق والناس تطالبنا بردّ. والناس ليست على اطلاع بما نقوم به من أعمال. فعقدنا مؤتمرا شرحنا فيه للناس ما أصبح لدينا من قوة عسكرية.
* متى كان ذلك؟
– قبل المعركة ببضعة أشهر.
* أي في فبراير/شباط، أو مارس/آذار؟
– تقريبا في تلك الفترة، شرحنا للصحافيين ولطلبة العلم الذي يعملون في الأوقاف في إدلب، ولأعيان ووجهاء المناطق وللفصائل ما أنجزنا، حتى نرفع الحالة المعنوية.
هناك جزئية فاتني أن أذكرها فنحن في بداية 2020 أصبحت لدينا تحالفات قوية مع الكثير من الفصائل وهذه نقطة مهمة جدا. والله سبحانه وتعالى وفقنا وخضع الكثير من الفصائل إلى البرامج ذاتها، إذ كنا وضعنا خطة شاملة وأقنعنا الفصائل أن هذه هي الخطة الصحيحة. ما يقارب عشرة فصائل خضعوا لهذا البرنامج ونقلوا قواتهم العسكرية.