د. موسى الحالول – الناس نيوز ::
دعت المدام مُشيرة سلائفها الأربع إلى اجتماع عاجل في مضافة آل جليلة بعد صلاة العشاء من يوم الخميس المقبل لمناقشة “الأزمة الأسرية المستعصية”، على ألا تتأبَّط أيُّ واحدةٍ منهن “طرطورها” إلى الاجتماع، بحسب تعبيرها. ولما اجتمعن في الموعد المحدد في مضافة الأسرة، افتتحت المدام مُشيرة الجلسة ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم حمدت الله وشكرته على نعمه الكثيرة، ومنها هذا الجو الأسري الحميم الذي قلَّما يجدن مثيله في الأُسر الأخرى التي لا تكفُّ عن التناحر، إما بسبب غيرة السلائف بعضهن من بعض، وإما بسبب تمرد بعض الأزواج على الإجماع الأُسري. ثم شكرت سلائفها لتلبيتهن الدعوة في الموعد والتزامهن بشرط الحضور، عدم اصطحاب أي طرطور.
- تعلمن جميعاً، أيتها الأخوات، أنه مضى على مشكلة جليلة حولٌ كاملٌ بالضبط، لها، طبعاً، منا كل التعاطف والتضامن، وقد باءت كل محاولات أزواجنا السابقة لحل مشكلة أختهم بالفشل. لذلك، آن لنا، نحن السلائف، أن ننتهج نهجاً نِسوياً عملياً غير الذي سلكه أزواجنا خلال الأشهر المنصرمة.
وكما تعلمن، كانت المشكلة في البداية مشكلة جليلة وحدها، وقد تحمسنا واندفعنا لتأييدها. لكن هذا الاندفاع حوَّل أزمة أسرة واحدة إلى أزمة ست أُسَر. فصار لزاماً علينا، نحن النساء، أن نبحث الآن عن سبيل آخر لمعالجة الأزمة. فنحن لا نهنأ بلحظة واحدة مع أطفالنا وأزواجنا بوجودها هي وأولادها في بيوتنا. إذ لا ينتهي الشهر الذي تُمضيه عند واحدة منا قبل أن يستضيفها بيت آخر إلا بفارغ الصبر. صحيحٌ أنها كانت وما زالت محقةً في مطالبها، من احترام إنسانيتها وزيادة مصروفها الشهري إلى عدم ضربها بمناسبة وبلا مناسبة، لكن تمسكها بهذه المطالب لم يزحزح زوجها عن موقفه المتعنت. بل إن حَرَدَها في بيوتنا قد أفسح له المجال ليتفرَّغ لعشيقاته الكثيرات.
- أستغفر الله، أبو ظافر يزني؟
- لا، ما يفعله ليس زنا، بل مُساكَنة!
- مُساكَنة؟ على مذهب مَن؟
- على مذهب الإمام المُجَدِّد ابن شحرور.
- لنترك، أيتها الأخوات، هذه القضايا الجانبية ونَعُد إلى مناقشة سُبُل حل أزمتنا المستعصية.
- فعلاً.
- لذلك، ولكي نضع حلاًّ للمشكلة، لا بد من تشخيصها تشخيصاً دقيقاً. وأعتقد أن كل واحدة منا نالها من أزمة جليلة مع زوجها ما يدفعنا إلى التفكير في مقاربة أخرى لحل هذه الأزمة، أزمتها وأزمتنا. كما ينبغي لنا أن ننتزع ظافر من أحضان عشيقاته وإعادته إلى حضن زوجته. أليس كذلك، أيتها الأخوات؟
قلن بصوتٍ واحدٍ:
- هو كذلك، يا مدام مُشيرة!
- لذلك، أقترح أن تخلو كل واحدة منكن بنفسها وأن تسجل أهمَّ مُنَغِّصٍ يومي يواجهها حين تستضيف جليلةَ وأولادَها في بيتها. وسنعود للاجتماع بعد عشر دقائق بعون الله.
***
عُدْنَ بعد عشر دقائق وكلٌّ منهن متلهفةٌ لتدلُق ما لديها من شكوى على مسامع رفيقات الشقاء. ارتفعت الأيدي في آنٍ واحدٍ طالبةً الحديثَ كأنهن تلميذاتٌ في مدرسةٍ ابتدائيةٍ يتلهفن للإجابة عن سؤالٍ طرحته معلمة الصف. لكن المدام مُشيرة كانت، ببصيرتها النافذة، قد توقعت مثل هذه الفوضى وهذا التزاحم، فأعدَّت أربع قصاصات من الورق ورقَّمتها من 1 إلى 4 ثم طوتها. طلبت أن تأخذ كلُّ واحدة منهن قُصاصةً، وستُعطى صاحبةُ القُصاصة رقم 1 الحق في الحديث أولاً، وهكذا بالترتيب. أما هي، فقد اكتفت بكلمتها الافتتاحية، وشرف إدارة الجلسة.
أثنت السلائف على حُسْن صنيعِ المدام مُشيرة، فتناولت كلٌّ منهن قُصاصةً، ورضيت بِقُرعتها.
- بسم الله نعود. لتبدأ صاحبة القُصاصة رقم 1:
- شكراً لكِ، مدام مُشيرة، ولجميع الأخوات. وحرصاً مني على الإيجاز، سأدخل في الموضوع مباشرةً. تعلَمْنَ جميعاً أن بيتنا صغير، وليس فيه إلا حمّامٌ واحدٌ، وكلَّما أردنا أنا وزوجي أن نستحم، بعد ليلةٍ ساخنةٍ مما تعلمن، وجدناها قد سبقتنا إلى الحمام وأتت على آخرِ نقطةِ ماءٍ حارةٍ فيه. وهكذا نضطر إلى المبيت على غير طهارة في كثير من الأحيان. لا أفهم لماذا تصر جليلة على الاستحمام كلَّ ثلاثِ ليالٍ مع أنها منفصلة عن زوجها منذ عام! بصراحة، عندي الكثير من الشكاوى الأخرى، وصار الوضع لا يُطاق، لكني أكتفي بما قلت لأفسح المجال لأختي الفاضلة صاحبة القُصاصة رقم 2.
- شكراً لك، يا صاحبة الذوق والعفاف. في الحقيقة، تشبه مشكلتي مشكلة سِلْفتي صاحبة القُصاصة الرقم 1. فحين يستيقظ أولادي في الصباح يضطرون إلى الوقوف في طابور طويل للدخول إلى المرحاض بسبب تزاحم أولاد جليلة عليه أيضاً…
- عفواً، يا صاحبة القُصاصة رقم 2. لا أود مقاطعتك، لكن هناك نقطة نظام أود أن نلتزم بها جميعاً. لا يجدر بنا في هذا الاجتماع الراقي أن نهبط إلى مستوى استخدام مفرداتٍ سوقيةٍ قادمةٍ من سوق الجمعة مثل “مرحاض” وسواها. C’est très vulgaire.
- معكِ حق، من حيث المبدأ، لكن والله لو رأيتِ ما حل بتواليتنا بعد أسبوع من الاستعمال الجائر من طرف جليلة وعِجْيانها، عفواً، أسحب هذه الكلمة السوقية أيضاً، لاستكثرتِ عليه حتى كلمة مرحاض! أظن أن أفضل وصف يليق بمرحاضنا في وضعه الحالي هو ما قاله الرئيس أبو إڤانكا عن بعض البلدان الإفريقية: shithole. وبهذه الكلمة، أختم مداخلتي، وأشكر لَكُنَّ حُسْن الإصغاء. والآن أعطي الكلمة لصاحبة القُصاصة رقم 3.
- شكراً لك، أختي وجارتي الحبيبة. منذ أن بدأت مشكلة جليلة، ونحن لم نعد نهنأ بأكلة. كما تعلمن، دَخْلُ زوجي محدود، وراتبه لا يكاد يكفي احتياجاتنا. اشتهى أولادي الأسبوع الماضي جبنة لاڤاش كيري، ولم يكن عندي ما يكفي لشراء ما يكفي أولادي وأولادها. فاشتريتُ لأولادي فقط، وقد عوَّدتهم أن أشتري لهم لاڤاش كيري مرة واحدة في الشهر. ولما وضعنا الزيتون والزيت والزعتر على سُفرة العشاء، تظاهر أولادي بأنهم ليسوا جائعين. كانوا ينتظرون أن ينام أولاد عمتهم كي يتسللوا إلى المطبخ، إلخ. خبأتُ لهم الجبنة الفرنسية اللذيذة في زاوية من البرّاد لا يعلمها حتى الجِن الأزرق. وبعد أن ذهب أولاد جليلة للنوم، ظل أولادي مستيقظين حتى أيقنوا أن أولاد عمتهم قد ناموا. تسللت بنتي الصغيرة فوفو إلى المطبخ لتأتي بالجبنة والخبز، فلم تجدها. عادت باكيةً. ذهبتُ بنفسي لأبحث عن ذاهبتنا، فلم أجدها. اختفت كما اختفى الإمام موسى الصدر في ضيافة القذافي. لم يذق أطفالي تلك الليلة إلا دموعهم بسبب القرود أولاد عمتهم! والأنكى من ذلك أن زوجي هددني بالطلاق إن فاتحتُ أخته بشأن لاڤاش كيري المفقودة. أولادها يأكلون لاڤاش كيري وأولادي لا؟ وا مَكروناه!
- من محاسن المصادفات أن مسك الختام من نصيب عروسنا الجميلة، صاحبة القُصاصة رقم 4. تفضلي!
- شكراً لَكُنَّ، يا تيجان رأسي، وأخص بالشكر مدام مُشيرة التي كانت، بحكمتها المعهودة، سبّاقةً إلى الجهر بقول ما لم تجرؤ أيٌّ واحدة منا على قوله قبل جلسة هذا المساء. لا أعلم أَمِن حُسْن الحظ أم من سوئه أن زوجي أصغر إخوته. فهو، وإن كان مُدَلَّلَ والديه في حياتهما، لا رأيَ له بين إخوته الكبار. وكما تعلمن، انطلقت شرارةُ أزمةِ السيدةِ جليلة ليلةَ زفافنا قبل عام بالضبط. وكلكن تتذكرن كيف حضرت جليلة إلى صالة العرس هي وأولادها ولم يحضر معها أبو ظافر، وكانت مكسوفةً من هذه الإهانة، بل أهانها أكثر حين حضر قُبَيْلَ نهاية الحفلة، وكان مخموراً يتأبط راقصةً رخيصةً من فتيات الليل ومعه علبة نيدو غير مختومة. وانتقاماً لشرف جليلة، قرر غزوان أن يستضيف أخته في بيتنا ونحن في شهر العسل! يا خسارة أطقم اللانجيريه التي اشتراها لي في أثناء خطوبتنا من موقع Banggood! والله، لم نهنأ بطعم البانغِنغ منذ أن حلت جليلة وأولادها في ربوعنا! لم أخبركن من قبل لماذا اقترح غزوان على إخوته نظام المحاصصة الشهرية، وهو الذي لم يقبل من قبل أن يستضيف جليلة وأولادها أحدٌ سواه، لكني سأبوح لَكُنَّ بهذا السِّر الآن: لقد ضبطنا أصغرَ أبنائها أكثر من مرة، ونحن في شهر العسل، يتلصص علينا من ثقب باب غرفة نومنا! أظن أنها كانت تستغل براءته وصغر سنه ليتجسس علينا وينقل لها وقائع ما يجري في غرفة النوم. عجوزُ سوءٍ كأم الفرزدق التي هجاها جرير، زاعماً أنها اشترت عنزاً وتيساً لتشهد ما يفعلان وليعوضاها عما تفتقد. ولولا التزامي بنقطة النظام التي ذكّرَتنا بها المدام مُشيرة قبل قليل، لدلقتُ على أسماعكن ما جاد به جرير بلسانه السليط عن أم الفرزدق. يلعن أم الفرزدق على أم ظافر بإسكربينتي! يا ربِّ، سامحني، والله أنا لا أحب الغيبة، ولكني مظلومة. اللهم، إني مظلومةٌ، فانتصِر! اللهم، إني مظلومةٌ، فانتصِر!
- شكراً للأخوات جميعاً على ما أفَضْنَ من شرح لأبعاد أزمتنا المستعصية. وبناءً على ما تَقَدَّم، لا بد من إعادة جليلة إلى بيتها وزوجها.
- لكن هذا لا يحل مشكلتها.
- ربما، لكنه يحل مشكلات خمس أُسَر أخرى. ومصلحتنا العليا مقدَّمة على مصلحتها هي.
- لكن ألا تعني إعادة جليلة إلى زوجها أن آل جليلة رضخوا لشروطه؟
- الأشجار التي تعاند العاصفة تنكسر أو تُقتَلَع من جذورها، والنباتات الصغيرة التي تنحني أمامها تعيش لتسخر من الأشجار المعاندة بعد أن تنجلي العاصفة.
- وماذا نقول لنوال السعداوي يومَ القيامة إذا اتهمتنا بأننا خذلنا السيدةَ جليلةَ في نهاية المطاف؟
- نقول لها إننا اكتشفنا أنها من الخلايا النائمة لتنظيم داعش الإرهابي.
- وهل ستصدقنا؟
- ألم تُصدِّق أن هِلَري كلِنتِن كانت توزع دولارات أمريكية على الشباب في ميدان التحرير بالقاهرة لينتخبوا مرشح الإخوان هناك؟
- وماذا عن أزواجنا؟ كيف نقنعهم بإعادة أختهم إلى بيت الطاعة؟
- نأتي بهم إلى بيت الطاعة!
- كيف؟
- ألا تُدْرِكن أن المرأة تملك بين ملتقى فخذيها أفتكَ سلاح عرفه جنس الرجال في تاريخ الصناعات الحربية؟
- أجل.
إذن، فلنبدأ باستخدامه من ليلة الخميس المباركة هذه. فإن تجاوب الطراطير مع مطالبنا، فبها ونِعْمَتْ. وإلا، فالمقاطعة! وما أذلَّ أعتى الأباطرةِ والأكاسرةِ مثلُ المقاطعة. والله الموفَّق والمستعان!