بيروت – الناس نيوز:
منذ انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 في لبنان، أعلنت قرى بعلبك-الهرمل انتماءها السياسي للحراك الاحتجاجي ولمناخات التغيير في المشهد الداخلي. ولكن حزب الله وتحديداً في قرى بعلبك الهرمل، يتخوّف من أي حالة اعتراضية ويحاول بأي شكل من الأشكال إما شيطنتها، أو تصويرها بأنها تستهدف أمن المنطقة الذي يُنصب الحزب نفسه على أنه المؤتمن الأوحد له. لكن أمن بعلبك كما أمن كل لبنان لا يمكن صيانته إلا من خلال القوانين والمؤسسات الرسمية.
فالمنطقة التي اشتهرت بحرمانها وثورتها على التهميش والجوع منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، أصبحت محط أنظار الحالمين بدولة العدالة والإنماء المتوازن في تشرين الثورة اللبنانية، بيد أنها عادت ولملمت أشلاءها الثورية خوفاً من معارضة ذوي القربى الذين تبنّوا كلام الحزبين الشيعيين الأساسيين حزب الله وحركة أمل.
ولكن فكرة الثورة التي طالت كل قرى البقاع الشمالي تنكفئ اليوم بشكل تام بعد أن كانت قد اتخذت في وقت سابق قراراً تكتيكياً بعدم التحرك داخل القرى وحصر نفسها بمركزي القضاء في الهرمل وبعلبك، نظراً إلى أن هاتين المدينتين تتمتعان بتنوع سياسي يمكنه الصمود في وجه هجوم حزب الله على الثورة. ورأى الحراك كذلك أن مدينة بعلبك المتنوعة سياسياً وطائفياً، ولاسيما نظراً إلى ثقلها المذهبي السنّي إضافةً إلى الشيعي، يمكنها الوقوف في وجه حزب الله.
وفي دراسة كتبها صبحي أمهز في موقع معهد كارنيغي، بيروت، قال الباحث إن بعلبك-الهرمل، التي كانت قد انضمت إلى انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 منذ اليوم الأول للثورة، عادت وتراجعت مؤخراً بسبب تمكّن حزب الله المهيمن على القرار الشعبي للمنطقة، من تخوين كل الأصوات المعترضة على الفساد. وزجّ حزب الله هؤلاء تحت تصنيفات تخلق نفوراً في بيئة بعلبك-الهرمل، كـ”التبعية إلى الخارج” أو “خيانة الطائفة الشيعية”، ما من شأنه محاصرة المسيحيين والسنّة والجهات الأخرى المتعاطفة مع الثورة.
تبيّن قراءة العوامل السياسية والعائلية المحيطة بـ”الثورة” في المنطقة تراجع الزخم الشعبي في القرى الشيعية الممتدة بين بعلبك والهرمل، والذي بدأ مع إعلان زعيم حزب الله حسن نصر الله بعد يومين من الثورة، أي في 19 تشرين الأول/أكتوبر 2019، أنه لا يمكن لأحد إسقاط الحكومة. ثم تبعها خطاب جديد في 25 من الشهر ذاته، عقب قيام من اصطلح على تسميتهم بـ”العناصر غير المنضبطة” بضرب المتظاهرين وتكسير الخيم في ساحتي رياض الصلح والشهداء في بيروت.
في بداية الثورة، نزل أبناء عرسال السنّة إلى جارتهم الشيعية، ونظمّوا تحركاً مشتركاً يجمعه رفض السلطة والكفر بالحرمان المسيطر على البلدتين المتلاصقتين. لكن الحزب، الذي يعتبر الحامي الأول للمنظومة السياسية، افتعل في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وأثناء تنظيم اعتصام في اللبوة وعرسال، على طريق اللبوة – العين، إشكالاً من قبل الدائرين في فلك الثنائي الشيعي. وقد أدّى ذلك إلى تعامل الثوار مع المرحلة بذهنية مختلفة، والأخذ في الحسبان أن أنصار الحزب لا يريدون أي تحرك مؤيد للثوار في القرى الشيعية.
مثال البلدتين الجارتين السنية والشيعية، انتقل إلى البلدات الأخرى، وبما أن الاعتبارات العائلية لها التأثير الأكبر في البلدات البقاعية، وحرصاً على عدم جر المنطقة إلى أي صدام، ارتأى ثوار البلدات الشيعية نقل وجهة احتجاجهم إلى بلدة الزيتون السنيّة، التي تفتقر إلى وجود الشيعية السياسية. وبعدها بفترة وجيزة لم يبق من رمزية للثورة في المنطقة سوى ساحة خليل مطران في مدينة بعلبك، التي انتهى دورها أيضاً بعد أن نجح حزب الله في ترهيب مرتاديها بعد أن تعرضوا لأكثر من هجوم ولإطلاق النار في بعض الأحيان.
في 6 حزيران/يونيو 2019، عاد مئات المتظاهرين اللبنانيين إلى الشارع احتجاجاً على أداء السلطات العاجزة عن وضع حد للانهيار الاقتصادي المتسارع. ورفع المتظاهرون شعارات ومطالب متفاوتة، تراوحت بين ضرورة اتخاذ السلطات إجراءات سريعة لوقف الانهيار الاقتصادي، وإسقاط الحكومة، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة. إلا أن مجموعة صغيرة تُعتبر ذات ثقل شعبي، رفعت شعار المطالبة بتطبيق القرار الدولي 1559 الذي ينصّ على “نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية”، بما فيها الجناح المسلح لحزب الله.
على الرغم من إعلان كل القوى الفاعلة المشاركة والداعمة للثورة عدم تبنيها لهذا الشعار حرصاً على عدم استفزاز البيئة الشيعية المرتبطة عاطفياً بالحزب، إلا أن حزب الله استغل هذا الأمر وبدأ ينشر شائعات في قرى بعلبك الهرمل تفيد بأن هذا التحرك يستهدف الحزب وسلاحه وحتى بيئة الشيعة المؤيدة للثورة. فما كان من أهالي بعلبك الهرمل إلا أن تأثروا ببروباغندا الحزب وتراجعوا عن قرار المشاركة في هذا اليوم، الذي كان مفصلياً بالنسبة إلى الثورة في لبنان.