أروى غسان- الناس نيوز
تتسيد لفائف ورق العنب الخضراء قائمة الضيافة التركية في عيد الفطر السعيد، فتُقدّم إلى جانب البقلاوة والسكاكر كتقليد تركي قديم عمره مئات الأعوام، في الوقت الذي تقدّم فيه غالبية البلدان الإسلامية التي تحتفل بهذه المناسبة الحلويات والكعك والشوكولا وكل ماله مذاق حلو، بعيداً عن النكهات المالحة.
ويعدّ الأتراك الوحيدين الذين يقدمّون اليبرق في العيد، فإذا أرادت سيدة المنزل إكرام ضيوفها فعليها تأمين ورق العنب قبل العيد بأيام، لأنه غالباً ما ينفد من الأسواق لشدة الإقبال على شرائه، ويتشابه لفظ كلمة “يبرق” بين اللغتين العربية والتركية، وتعبّر عن محشي ورق العنب بالرز واللحم المفروم والبهارات، وإذا كانت الحالة الاقتصادية للعائلة لا تسمح بشراء اللحم، فمن الممكن التحايل على الموضوع عن طريق حشو أوراق العنب بالأرز والبقدونس والبصل والبندورة، وهو ما يعرف باسم “يالنجي”، أي المحشي الكذاب، نظراً لخلوّه من البروتين الحيواني.
ويعد محشي ورق العنب بأنواعه أكلة عريقة تعود للمطبخ المتوسطي ، فمعظم بلدان حوض البحر الابيض المتوسط يستخدمونه ، وتقول بعض المصادر التاريخية ان العرب استعملوها في مطابخهم بعد الأتراك أثناء حكم السلطنة عام1300م مع مرور الوقت انتشرت الأكلة في العديد من البلدان وأصبحت أكلة مشهورة في بلاد الشام ومصر والعراق، ولكنّ العرب لم يأخذوا عادة تقديمها في العيد ضمن صنوف الضيافة الخاصة بهم.
الأتراك لا يعرفون المعمول
وإلى جانب تقديم اليبرق، يهتم الأتراك بتقديم صنوف عديدة من الحلويات تتنوع ما بين السكاكر والشوكولا والبقلاوة و”الجلاش” وهي رقائق شبيهة بالبقلاوة تُحشى بالجوز أو البندق المفروم مع السكر، إلا أنّ كعك العيد أو ما يُعرف بالمعمول والذي يُعدّ أساس الضيافة لدى غالبية شعوب العالم العربي، يغيب تماماً عن ثقافتهم فهو لا يُباع في الأسواق، ولا تصنعه سيدة المنزل التركية أو بالأحرى لا تعرفه، فيما تفوح رائحته من الأحياء العربية في تركيا، فالعرب هناك وغالبيتهم من السوريين مازالوا يحافظون على صنع معمول العيد وهو عبارة عن عجينة من الطحين والسكر والسمنة، تُحشى بالفستق أو الجوز، أو التمر، تتفنّن السيدة في تشكيلها ونقشها.
الشاي سيد الموقف
أما البطل الرئيسي لكل الضيافات في تركيا سواء في أوقات العيد أو خارجها، فهو الشاي بلا منازع، حيث يجهّز بعناية وتصفُّ كؤوسه الساخنة في صينية خاصة عادةً ما تكون مزخرفة ومزيّنة، وتّقدّم للزائر، ومن التصرفات غير المحببة أبداً لدى الاتراك أن يقدّم أحدهم لك الشاي وتقوم برفضه، فهذا يعتبر إهانة بحسب الموروث الشعبي لديهم، ويجب أن تُجامل وتبدي إعجابك بهذا المشروب التركي الفريد الذي تتعدّد نكهاته وألوانه اليوم، فهناك شاي بالفريز وآخر بالكيوي وثالث بالبرتقال، ولكنّ الشاي الأسود يبقى سيد كل تلك الأنواع المستحدثة.
كولونيا العيد
وإذا زرت بيتاً تركياً في العيد يوماً ما فلا تتفاجأ عندما يقدم لك أهل الدار، زجاجة من كولونيا الليمون المعقّم لرشّها على يديك وتعطير ثيابك، فهذا يعتبر من العادات الخاصة بالأتراك في الأعياد، وقد كانت قبل انتشار فيروس كورونا، عادة قديمة يُقصد بها إنعاش الضيف برائحة الليمون اللذيذة وتعطير ثيابه، أما الآن فأصبحت تُستخدم يومياً بقصد التعقيم لأهميتها في قتل الجراثيم وتطهير اليدين لاحتوائها على نسبة عالية من الكحول تصل إلى ثمانين بالمئة، حيث أوصى وزير الصحة التركي باقتنائها منذ بداية انتشار الوباء، ويكاد لا يخلو أي بيت تركي منها.
بيرام الفرح والسرور
ويُسمّى العيد باللغة التركية “بيرام”، هو مصطلح فارسي أدخله الأديب التركي “كاشغارلي محمود”، أول من أعدّ قاموس اللغة التركية، واستناداّ إلى التوضيح الذي يردفه إلى جانب كلمة بيرام، فإن الأخير يعني الفرح والسرور، أما الضيافة بشكل عام وبينها ضيافة العيد، فتعبّر عنها باللغة التركية كلمة “الإكرام” يستخدمها الأتراك بنفس اللفظ العربي، وهي من بين آلاف الكلمات المتشابهة بين اللغتين العربية والتركية.
لأول مرّة منذ قرون
بقيت عادات الأتراك في العيد واحدة منذ مئات السنين ولم تستطع كل الأحداث التي مرّت على البلاد تغييرها، إلا أن فيروس كورونا الذي حلّ ضيفاً ثقيلاً على البلاد، غيّر كل شيء خلال أقلّ من سنة، حيث أصدرت رئاسة الجمهورية التركية قراراً بفرض حظر التجوّل خلال كامل أيام عيد الفطر، ضمن الإجراءات الاحترازية منعاً لانتشار الفيروس، وعلى إثر ذلك سيتم منع صلاة عيد الفطر التي اعتاد الأتراك على حضورها في الجوامع خلال ساعات الصباح الأولى كغيرهم من البلدان الإسلامية، كذلك لا ورود ستوضع على قبور الأحباء هذا العام حيث حُرم الأتراك من زيارة القبور، إضافة إلى أنّ كورونا نسف كلّ الزيارات العائلية والاجتماعية، وبقي يبرق العيد وكل ضيافاته المحببة من حلوى وشوكولا، للبيت وأصحابه فقط.