إلى يومي هذا، ماتزالُ رواية ذاكرة الجسد، للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي والتي صدرت في العام 1993، وكانت جزءاً أولاً في ثلاثية تُعتبرُ أهم ما كتبت مستغانمي، من أكثر الروايات التي لَقيَت كلماتُها صدىً في أنوثتي، فأنا الأنثى العاشقةُ للفساتين، خاصةً ذات اللون الأسود، وجدتُ نفسي في محاكاةٍ مع البطل الذي لم يتوانَ عن شراء فستانٍ لحبيبته، بكامل مبلغ الجائزة الكبيرة التي كان قد كسبها كمصور. ذلك الفستان المكشوف الظهر، والذي كم تمنيتُ أن يُعريَ ظهريَ أنا، لأنني مازلتُ أرى أن هذا الجزء من جسدي هو أجملُ ما فيه، والأكثرُ أنوثة.
صورٌ ليس عليكَ أن تُجهِد نفسَك لتراها، فوسائل التواصل الاجتماعي مليئةٌ بالفساتين وأزياء الموضة، ومن يرتدينها. لكنني، ومنذ سبع سنوات لم تعد تستهويني هذه الصور، لأجدَ نفسيَ غريبةً عن نفسي. فما الذي حدث. كيف حدث أن أزيح الفساتين من أمامي لأرتدي أول بيجامةً رياضية أو بنطلون أمامي، غير آبهةٍ بتناسق الألوان أو كيف سيبدو شكليَ حتى لو لبستُ تي شيرت صديقي ربما الممزق حتى. إنها الحرب..
لوقتٍ طويلٍ لم أكن أفهمُ نفسي، وكنت أقاوم رغبتي بحياةٍ طبيعية، أن أخرج بصحبة الأصدقاء ونثرثرُ حديثاً طويلاً فيه الضحك، وربما البكاء، بسبب انفصالٍ أو خيانة أو موقف رثاء. أن أهتم بأظافري وشعري وآخر صيحات الموضة، إلا أنها جميعُها لم تعد تعنيني. وباتت صورة طفلٍ عارٍ، هي همي، رؤيتي لأطفالٍ بأرجلهم العارية دون حذاء بات هو المنظر الذي يؤرقني. وفجأةً، انطفأت روح الأنثى التي كانت عاشقةً للون الأحمر والإغراء، والأسود الذي يُخبئ وراءه آلاف الكلمات، لتظهر مشاعرَ أمومة، وأنا التي لم تصبح أماً بعد. أصبحت مشاعر الأمومة تنمو وتكبر، وكم أتمنى أن أحتضن كل طفلٍ من الأطفال القابعين في المخيمات، كم أتنمى أن أكون أمّاً لكل طفلٍ أو طفلة فقدوا أمهاتهم، وأحكي لهم القصص وأحضنهم في بردهم وخوفهم. نعم، إنها الحرب من غيرتني، فكيف لا وآلاف الأطفال الذين أصبحوا يتامى، آلاف الأطفال الذين فقدوا أطرافهم ليُوضعوا تحت خانة المعاقين، بعد أن ولدوا أطفالاً طبيعيين. كيف لا تغيرنا الحرب وتبق حياتنا طبيعية ونحن ومنذ عشر سنين لم نحيَ في ظل ظروفٍ طبيعية. لم نصحَ وهمنا شرب القهوة أو أن نقضي صباحاً عائلياً، فالعائلة قد تشتت وصورة الموبايل في الفيديو كول هي التي باتت تجمعهم وليست غرفة المعيشة.
نعم حياتنا باتت مقسومةً إلى نصفين، نصفٌ يملؤه الرغبة بالحياة والاستمرار، يشدُنا إلى الأمام، لنكمل كأشخاصٍ طبيعيين حياةً طبيعية، ونصفٌ آخر يملؤه الموت واللجوء وصور المخيمات وقسوة البرد، تشدُنا إلى الداخل الحزين، لنحيا في فصامٍ بين ضحكةٍ ودمعةٍ في آنٍ معاً. وهأنذا أُنهي الكتابة بضحكةٍ، ودموعٍ لقسوة ما فيها.