د. خالد عبد الكريم – الناس نيوز :
إنهاء الصراع في اليمن بشكل كامل خلال عام 2021. استئناف عملية سياسية تشمل الجميع . آمال عبر عنها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث في تصريحات أدلى بها إلى مجلة إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام التابعة للأمم المتحدة في 27 ديسمبر ( كانون الأول) 2020 وتمنى غريفيث أن تعطى الأولوية في عام 2021 لاحتياجات اليمنيين بعيدا عن الأفاق الضيقة للمكاسب الإقليمية .
تفاؤل غريفيث مرده تشكيل الحكومة اليمنية الجديدة وأداء الوزراء لليمين الدستورية في الرياض والعزم على العودة مع مطلع العام 2021 الى العاصمة المؤقتة عدن لممارسة مهامهم من هناك .
المستجدات التي تسارعت في الأيام القلائل قبيل نهاية العام 2020 كانت وفق بنود اتفاق الرياض للتسوية السياسية بين القوى التي يجمعها العداء للحوثيين ويفرقها التباين في الرؤية بشأن مستقبل جنوب اليمن.
الصراع السياسي بين الشرعية والانتقالي الجنوبي ذو جذور عميقة، لكننا سنورد هنا جزئية عن تراتبية الصراع منذ العام 2015 في محاولة لفهم اليسير عن الخلاف الذي عصف بركيزة هامة في الشرعية اليمنية .
منذ مفاوضات جنيف السويسرية بين الشرعية والحوثيين في 2015 والجنوبيون الحراكيون المدعومون من دولة الإمارات يطالبون بالمشاركة في أي عملية تفاوض تنظرفي مستقبل الصراع في اليمن . استمرت المطالب في مشاورات جنيف والكويت وفي مفاوضات ستوكهولم كذلك . وطالبوا أيضا أن يكون لهم دور في حل قضايا الخدمات في المناطق الجنوبية . تجاوبا مع تلك المطالب جرى تعيين محافظين منهم لكل من عدن وشبوة وحضرموت والضالع ، لكن الراديكاليين في الحراك الجنوبي لم يكتفوا بذلك ورأوا أن هناك من يعيق عمل هؤلاء المحافظين بهدف إفشالهم .
شكل المحافظون الأربعة (بعد أن تخلوا عن مهامهم ) مع عدد آخر من النشطاء الجنوبيين المجلس الانتقالي الجنوبي . اعتمد المجلس على المكونات المسلحة الجنوبية التي شكلت بدعم من دولة الإمارات والتي عرفت بالأحزمة الأمنية والنخب العسكرية ، لتكون ذراعه العسكرية للسيطرة على عدن كاملة .
في الفترة ذاتها كانت الحكومة الشرعية التي كان يترأسها الدكتور أحمد عبيد بن دغر تقيم في عدن في القصر الرئاسي . معروف أن الدكتور بن دغر الجنوبي الذي ينتمي لحضرموت يعد من صقور الشرعية الرافضين وبشدة للتوجهات الانفصالية للانتقالي الجنوبي . أصبح بن دغر ومن تبقى من وزراء الحكومة الشرعية محاصرين ، في المدينة التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي . تدخل الأشقاء السعوديون وأرسلوا قوات عسكرية أخرجت رئيس الوزراء السابق وعددا من وزرائه من القصر الرئاسي في عدن وتم نقلهم إلى الرياض .
بناء على تسويات سياسية تم عزل الدكتور أحمد عبيد بن دغر من منصبه رئيسا للوزراء مع الإبقاء على أعضاء الحكومة الذين أصبحوا خارج اليمن ما بين الرياض والقاهرة وإسطنبول وعواصم أخرى . أصبحت البلد في فراغ دستوري إلى أن تم تعيين الدكتور معين عبد الملك الذي ينتمي لمحافظة تعز الشمالية رئيسا للحكومة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018م .
وسمح المجلس الانتقالي الجنوبي بعودة الدكتور معين عبد الملك وحكومته لممارسة مهامهم من العاصمة المؤقتة عدن . كانت تلك الموافقة بفعل عاملين الأول ضغط إماراتي مورس على الانتقالي والثاني أن الدكتور معين عبد الملك من حمائم الشرعية ولم تحسب له مواقف صدامية ضد الانتقالي الجنوبي . بل تعمد الدكتور معين عبد الملك في أول تصريح له عقب ترؤسه الحكومة للمرة الأولى في 2018م أن يوجه رسائل تطمين للمجلس الانتقالي الجنوبي بقوله إنه لن يتدخل في السياسة ومهامه متعلقة بإصلاح الخدمات .
استمر الدكتور معين في عدن أقل من عام . معظم هذه الفترة قضاها متنقلا بين عدن والرياض و زيارات خارجية . الخدمات ازدادت سوءا . لا كهرباء لا مياه لا رواتب ، تدهورت أوضاع الناس معيشيا . ارتفعت الأصوات ضد الفساد ضد الجرائم اليومية والوضع المنفلت .
اعتبر الانتقالي الجنوبي أن كل ذلك يتم بفعل مؤامرة تقودها حكومة الشرعية لإفشاله ولتحريض الشارع ضده ، كان ذلك في أغسطس ( آب) 2019 . وطردت قوات الانتقالي الجنوبي الدكتور معين عبد الملك وحكومته من عدن باتجاه الرياض حيث استقر الدكتور معين عبد الملك وتوزع الوزراء مرة أخرى في بقاع العالم ومنها كانوا يديرون وزاراتهم ويعقدون اجتماعاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي .
وكان العام 2020 قد حمل مآسي وآلاما وكوارث تفوق حد الوصف عندما انتشر فيروس كورونا السلالة الأولى . لم تكن في اليمن حكومة (جنوبا ) وحكومة غير معترف بها و دون إمكانيات (شمالا ) الناس يتساقطون موتى والفيروس ينتشر وليس هناك مختبرات ولا كمامات ولا مواد تعقيم وليس هناك محاجر ، الجهات الصحية أطلقت مسميات أخرى على المرض تنوعت بين الشيجونيا والتيفوئيد . بل أعلن وزير الصحة اليمني السابق من الرياض أن اليمن خالٍ من المرض . جرى الإعلان بعدها عن حالات قليلة . تدخلت منظمات دولية بتجهيز محجر صحي ،كل ذلك دون تواجد الحكومة .
الكوارث الطبيعية ضربت اليمن في العام 2020 . فيضانات وأعاصير أغرقت العاصمة المؤقتة عدن ومدناً وقرى كثيرة وهدمت منازل وشردت أسرا وكان هناك ضحايا ممن لقوا حتفهم . وأصبحت مدن تاريخية مثل شبام حضرموت ومبانيها الطينية الشامخة منذ أكثر سبعمئة عام التي تعد من مفاخر التراث الإنساني العالمي أصبحت مهددة بالانهيار . كل ذلك والبلد دون حكومة .
في هذا التوقيت العصيب قرر المجلس الانتقالي الجنوبي استغلال الفراغ الحكومي ليعلن الإدارة الذاتية على كامل المحافظات الجنوبية في 25 أبريل (نيسان) 2020 وتوغلت قواته للسيطرة على محافظة شبوة النفطية بعد أن كان المجلس قد سيطرعلى عدن ولحج وأبين .
وتدخلت القوات الشرعية ممثلة بالجيش الوطني لوقف تمدد قوات الانتقالي الجنوبي فدارت معارك بين الطرفين في شبوة ، تقدمت فيه قوات الشرعية وتراجعت قوات الانتقالي الجنوبي الى محافظة أبين ، تبعتها قوات الشرعية إلى أبين وحصلت صدامات مسلحة عنيفة . هذه الصراعات بين القوى المناوئة للحوثيين ساعدت في تخفيف الضغط العسكري على قوات الحوثيين الذين أعادوا تموضعهم وشنوا هجمات عنيفة للاستيلاء على محافظة مأرب النفطية وحيث تتواجد المعسكرات والقيادات الميدانية للشرعية .
تداعيات الموقف العسكري والاقتصادي والإنساني دفعت الأشقاء في دول التحالف الداعم للشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية إلى التدخل لإنقاذ اتفاق الرياض الذي وقع في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019م الذي بات حبرا على ورق . جرى التوافق على مبادرة جديدة أطلق عليها آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض وقعت في يوليو (تموز) 2020 .
نصت آلية التسريع على وقف إطلاق النار بين الشرعية والانتقالي . وأن يجري تعيين محافظ لعدن ومدير أمن لها . وأن يلغي المجلس الانتقالي الجنوبي إعلانه الإدارة الذاتية . وتشكل حكومة كفاءات سياسية يشارك فيها المجلس الانتقالي . وأن تدمج القوات العسكرية والأمنية للانتقالي الجنوبي ضمن قوات وزارة الدفاع و وزارة الداخلية .
تخلى الانتقالي عن الإدارة الذاتية للجنوب وأُعلنت حكومة هو شريك فيها وجرى التوافق بشأن الترتيبات الأمنية والعسكرية التي ستتم بإشراف لجنة عسكرية سعودية .
عقب الإعلان عن الحكومة اليمنية الجديدة أجرت قناة العربية السعودية لقاء مع الدكتور معين عبد الملك رئيس الوزراء اليمني في 25 ديسمبر (كانون الأول) 2020م. كان اللقاء مثيرا للاهتمام حيث وردت فيه معلومات عن كم الفساد الذي تراكم في صفوف الشرعية وبالتالي صعوبة المهام الماثلة أمام الحكومة الجديدة في تصحيح الأوضاع والتي ستبدأها بتفعيل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وترتيب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد . جاء في اللقاء التلفزيوني :
الجيش الذي يقدر بأربعمئة ألف عسكري نصفه أسماء وهمية . وغدا الأمن الذي يتجاوز مئة وعشرين ألف جندي معظمه أشخاص لاوجود لهم إلا في الكشوفات لاستلام مستحقات تُنهب . وهناك خمسمئة وكيل وزارة ومدير عام يتقاضون رواتبهم بالدولار وهم خارج اليمن منذ ستة أعوام لايقدمون شيئا . وإذا أضفنا إليهم دبلوماسيين تكتظ بهم السفارات اليمنية التي لا تقوم بأي مهام غير استنزاف موارد الدولة الشحيحة من العملة الصعبة التي تأتيها دعماً من الأشقاء .
مهام هذه الحكومة صعبة فهي تأتي بعد عام استثنائي. مطلوب منها إعادة بناء مؤسسات لم يعد لها وجود . يراد منها أن تعافي الاقتصاد ، وتنشر الأمن ، وتواجه الانقلاب الحوثي والأطماع الإيرانية للسيطرة على اليمن بأكمله. ويراد من هذه الحكومة إعادة الكهرباء والماء والصحة والتعليم . ويراد منها النظر إلى مصالح الوطن لا الأحزاب والمناطق التي ينتمي إليها الوزراء.
وعلى أن لا تمارس هذه الحكومة مهامها من الخارج مثل سابقاتها.
صحيح أن بعض الوزراء المتحمسين شرعوا في العمل من الرياض قبل أن يتعرفوا على وزاراتهم في عدن . وصحيح أن برنامج الحكومة وميزانيتها في طور الإعداد .
لكن الصحيح أيضا أن الانتقالي الجنوبي لن يتخلى عن سلاحه وعن هدفه في استعادة الدولة . وأن تناحرات وثارات الماضي ستظل فهي لم تُنس بعد وإن جرى التظاهر بذلك . ولن يكون بالأمر الهين بقاء الحكومة في عدن و نصفها شماليون وتعمل تحت راية الوحدة التي لايقبل بها الراديكاليون الجنوبيون .
سيكولوجية الساسة اليمنيين عصية الفهم يخفون في أنفسهم ما لا يبدون . والتوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات لايعني لديهم زوال افتراضية النكث بها .