في الوقت الذي يقضي فيه السوريات والسوريون في الداخل السوري معظم أوقاتهم بدون كهرباء ولا تدفئة، ويقفون ساعات طويلة يومياً أمام الأفران للحصول على ربطة خبز وساعات أخرى للحصول على بضعة ليترات من البنزين، وينتظرون شهرين وأكثر للحصول على أسطوانة غاز، وفي الوقت الذي بات فيه مشهد الكثير من الأطفال وحتى الكبار يتكرر يومياً وهم يبحثون في أكوام القمامة عمّا يمكن أن يكون صالحاً للأكل أو للبيع.
في هذه الأوقات التي يعاني فيها السوريون الأمرّين أعلنت وزارة داخلية النظام في تعميم لها عن تسهيل إجراءات تجديد تراخيص الأسـلحة العائدة للمواطنين السوريين الموجودين في داخل سورية وخارجها شخصياً أو بواسطة أحد ذويهم “الأصول أو الفروع أو الإخوة والأخوات أو الزوج أو الزوجة” أو وكلائهم بموجب وكالة مصدقة أصولاً. ولتسهيل أكثر في إجراءات الترخيص أعلنت داخلية الأسد قبولها بوثائق الفحوص الطبية اللازمة لتجديد التراخيص الصادرة عن مؤسسات طبية عربية أو أجنبية معتمدة من قبل البعثات الدبلوماسية والقنصلية في الخارج بعد تصديقها من وزارة خارجية الأسد.
وقد بررت داخلية الأسد تسهيل إجراءات تجديد تراخيص حمل الأسلحة بالظروف والمصاعب التي يعانيها الناس بسبب جائحة كورونا، إلا أن السبب الحقيقي وراء ذلك يكمن برغبة الأسد في الحصول على مزيد من الأموال التي يمكن أن يجمعها من حملة الأسلحة الذين تتضاعف أعدادهم يومياً في ظل انفلات الأوضاع الأمنية والمعاشية في سورية يوماً بعد يوم، حيث أصبح مشهد حمل أكثر من مألوفاً ومشاعاً في متناول أيدي كافة شرائح المجتمع السوري، إذ لم يعد الحصول على السلاح أمراً صعباً، بل يكفي دفع ثمنه وثمن رخصته ليصبح الشخص من حاملي السلاح، وفي أحيان كثيرة لا يحتاج المرء لدفع ثمن السلاح ولا حتى ترخيصه إذ يكفي حامله أن يكون تابعاً أو مرافقاً لمتنفذ أو تاجراً من تجار الحروب وما أكثرهم، أو عضواً في عصابة لقطاع الطرق أو منتمياً لإحدى الميليشيات المسلحة أو شبيحاً، أو محتالاً يجيد إتقان القيام ببعض المظاهر التي تجعله ذا هيبة وسلطة.
وكان بشار الأسد سبق له في عام 2011 أن أصدر قانون الأسلحة والذخائر بالمرسوم التشريعي رقم 51 لعام 2001 سمح بموجبه للسوريين والمقيمين بحيازة السلاح، ومنح كل واحد منهم الحق في ترخيص مسدس حربي واحد، مع مئة طلقة، إضافة إلى بندقيتي صيد، مع 500 طلقة، لكلتيهما، مع ضرورة تجديد الترخيص كل 5 سنوات، وذلك ضمن شروط منها أن يكون طالب الترخيص قد أتم الـ 25 من عمره. وفي العام 2017 جرى تعديل على المادة 37 من المرسوم قضى برفع رسوم الترخيص التي تدفع لمرة واحدة كل خمس سنوات وفقاً لما يلي:
1ـ 25 ألف ليرة (نحو 6 دولارات) رسوم ترخيص حمل وحيازة مسدس حربي، وكذلك لترخيص بندقية صيد ذات ثلاث فوهات أو آلية أو أتوماتيك مهما كان نوعها وعيارها.
2ـ 15 ألف ليرة (نحو أقل من 4 دولارات) لترخيص حمل وحيازة بندقية صيد ذات فوهة واحدة مهما كان نوعها وعيارها.
3– 20 ألف ليرة (نحو 5 دولارات) لترخيص حمل وحيازة بندقية صيد ذات فوهتين مهما كان نوعها وعيارها.
والملاحظ أن هذه الرسوم المفروضة على ترخيص الأسلحة في سورية تبقى منخفضة قياساً بالرسوم المفروضة مثلاً على استخراج جواز سفر الذي بات يكلّف ما يزيد عن 300 $ ليحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث التكلفة والأدنى من حيث قيمته، وكذلك بالرسوم المفروضة على إجراء فحص الكورونا التي تبلغ 100$، بينما أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية تواصل ارتفاعها الجنوني في ظل الحد الأدنى لكتلة الرواتب والأجور عند 40 ألف ل.س، فسلّة الأغذية التي تشمل الضروريات مثل الأرز والسكر والزيت ارتفعت بنحو 247 في المئة منذ أواخر العام الماضي، لتتجاوز عتبة 250 بالمئة في الشهرين الأولين من هذا العام وفقاً لتقديرات متعددة، كما أن الليرة السورية خسرت أكثر من 75 في المئة من قيمتها مقابل الدولار الذي ارتفاعه ليصل قبل يومين إلى أكثر من 4 آلاف ليرة سورية للدولار الواحد، وبات متوسط الأجور في سوريا شهرياً بحدود الـ 7 آلاف بينما الحد الأدنى للأجور بات يساوي أقل من 12 دولاراً للفرد، في الوقت الذي يؤكد فيه خبراء اقتصاديون أن تكاليف المعيشة في سوريا للأسرة الواحدة باتت تحتاج بالحد الأدنى إلى مبلغ 700 ألف ليرة شهرياً أي ما يعادل أقل من 140 $.
ومن المفارقات العجيبة الغريبة أن المرء في سورية يستطيع الحصول على أي نوع من السلاح بسهولة ويسر ودون أي عناء، فلا يضطر مثلاً إلى الوقوف في طوابير، ولا الانتظار لساعات طويلة، بل يمكنه الحصول على أي قطعة سلاح ببساطة ودون أي تعقيد وفي أي وقت يريد في الليل أم في النهار، المهم أن يكون قادراً على دفع ثمن السلاح.
لقد أصبح الحصول على السلاح في عهد الأسد أسهل بكثير من الحصول على ربطة خبز التي أصبحت تُباع في السوق السوداء وكأنها باتت عملة صعبة مثل الدولار واليورو. وطوابير الخبز في سورية لا تنتهي، وكأنه بات على السوريين أن يقضوا معظم أوقاتهم في الوقوف في الطوابير، بعد أن أصبح لكل مادة طوابيرها الخاصة بها، كما في طوابير الخبز وطوابير البنزين والمازوت والغاز، حتى حاويات القمامة باتت لها طوابيرها أيضاً.
بئس هذا النظام وهذه الدولة التي أصبح فيها الحصول على السلاح أسهل بكثير من الحصول على ربطة خبز!
ميشال شماس