باريس – أبو ظبي – دبي ميديا – الناس نيوز ::
الحرة – رجل غامض يجوب العالم. يتمتع بعبقرية مارك زوكربيرغ، وعادات جاك دورسي (الرئيس التنفيذي السابق لتويتر) الغريبة في الحياة، ونزعة إيلون ماسك التحررية، وهوس بإنجاب الأطفال.
هكذا وصفت “سي أن أن” مؤسس تطبيق تيليغرام، بافيل دوروف (39 عاما) الذي بات حديث الساعة في الأيام القليلة الماضية بعد توقيف السلطات الفرنسية له في باريس على خلفية اتهامات بالسماح بممارسة أنشطة إجرامية على تطبيقه، الذي أسسه عام 2013، ونما ليصبح منصة عالمية لا تتدخل كثيرا في مراقبة المحتوى.
قبل أكثر من عقد من الزمن، برز اسم دوروف باعتباره رمزا لتحدي السلطات الروسية، حين رفض إغلاق صفحات المعارضة على منصته الاجتماعية، التي كانت تعرف آنذاك بأنها النظير الروسي لفيسبوك.
وبعد مرور 13 عاما، وجد دوروف نفسه مجددا في مواجهة مع السلطات، ولكن هذه المرة في فرنسا، لمواجهة اتهامات باستغلال الأطفال في المواد الإباحية والاتجار بالمخدرات والاحتيال.
ولد دوروف في سانت بطرسبرغ، في روسيا، عام 1984، بالاتحاد السوفييتي آنذاك.
وعندما كان يبلغ من العمر 4 سنوات، انتقلت عائلته إلى إيطاليا، ثم عادت الأٍسرة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بعد أن حصل والده على وظيفة في جامعة سانت بطرسبرغ، وفق مجلة تايم.
قال دوروف في مقابلة سابقة إنه وشقيقه الأكبر نيكولاي كانا من عباقرة الرياضيات منذ سن مبكرة: “كنا متحمسين جدا للبرمجة وتصميم الأشياء”.
وعندما عادت الأسرة إلى روسيا، أحضرا من إيطاليا جهاز كمبيوتر IBM PC XT، وقال: “في أوائل التسعينيات، كنا واحدة من العائلات القليلة في روسيا التي يمكنها تعليم نفسها كيفية البرمجة”.
بعد تخرجه من جامعة سانت بطرسبرغ الحكومية عام 2006، أسس دوروف مع شقيقه نيكولاي شبكة التواصل الاجتماعي فكونتاكتي.
وتقول “سي أن أن” إن “براعة دوروف، الحاصل على ماجستير العلوم من جامعة سانت بطرسبرغ، في البرمجة ونزعته الريادية” قادته إلى إنشاء فكونتاكتي عندما كان يبلغ من العمر 21 عاما.
وسرعان ما بات فكونتاكتي معروفا باسم فيسبوك روسيا، وأصبح هو بمثابة مارك زوكربيرغ الروسي.
لكن علاقة دوروف بالكرملين باتت عدائية، عندما بدأ المتظاهرون في استخدام فكونتاكتي لتنظيم تحركاتهم في كييف ضد الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، في عام 2013.
وفي ذلك الوقت، قال دوروف إن الكرملين طلب من الموقع تسليم بيانات خاصة للمستخدمين الأوكرانيين.
رفض الامتثال للأوامر، “ولم يكن ذلك جيدا بالنسبة للحكومة الروسية”، وفق مقابلة دوروف مع المذيع الأميركي المحافظ، تاكر كارلسون، في أبريل الماضي.
هذا الموقف كان بمثابة النهاية لدوروف في الشركة، التي استقال منها، وباع جميع أسهمه فيها، ثم غادر روسيا في 2014.
وقال دوروف: “بالنسبة لي، لم يكن الأمر يتعلق أبدا بالثراء. كل شيء في حياتي كان يتعلق بالحرية. إلى الحد الذي يمكن أن يكون ممكنًا، مهمتي في الحياة هي السماح للآخرين بالحرية”.
وقال دوروف إن تجربته مع الكرملين كانت الدافع الرئيسي لإنشاء تيليغرام، فقد “أراد هو وشقيقه بناء شيء يكون بعيدا عن أعين الحكومة المتطفلة”.
وفي منفاه، ركز دوروف بشدة على المشروع الجديد.
وقال دوروف لصحيفة نيويورك تايمز في عام 2014: “أنا سعيد جدا الآن دون أي ممتلكات في أي مكان. أعتبر نفسي مواطنا للعالم”.
وفي مقابلته مع كارلسون أضاف: “لقد كان الأمر مؤلما بعض الشيء لأن شركتي الأولى كانت طفلتي. ولكن في الوقت نفسه، فهمت أنني أفضل أن أكون حرا. لا أريد أن أتلقى أوامر من أي شخص”.
كان تشفير المراسلات على تطبيق “تيليغرام” جذابا لمئات الملايين من المستخدمين الذين توافدوا على المنصة، لكن كان من بينهم إرهابيون ومتطرفون.
وتقول “نيويورك تايمز” إن هذا النهج زاد من شعبيته في الدول ذات الأنظمة الاستبدادية، وجذب أيضا الإرهابيين والمتطرفين وتجار الأسلحة والمحتالين وتجار المخدرات.
ويتبنى دوروف فلسفة تضع الخصوصية والحرية الفردية فوق كل اعتبار. وفي تصريح له عام 2015، أكد أن “الخصوصية، في نهاية المطاف، أكثر أهمية من خوفنا من وقوع أحداث سلبية، حتى لو كانت بحجم الإرهاب”.
ووفقا لدوروف، كان تيليغرام ببساطة منصة المراسلة الأكثر أمانا في السوق، وحذر من أن السماح لباب خلفي للحكومات من شأنه أن يقوض جاذبية التطبيق والتزام الشركة بالخصوصية.
لكن هذه المخاوف دفعته لإطلاق حملة علاقات عامة، لطمأنة الجمهور بأن المنصة ليست ملاذا للإرهابيين.
والتطبيق الجديد أيضا أثار استياء موسكو.
وفي عام 2018، حظر الكرملين تيليغرام لرفضه تزويد أجهزة الأمن الروسية بمفاتيح فك التشفير، وتعهد دوروف بتحدي الحظر.
وفي 2020، تم رفع الحظر، وبات التطبيق أحد منصات التواصل الاجتماعي الأجنبية القليلة التي تعمل في روسيا دون قيود. وهي الآن الوسيلة المفضلة للتواصل للعديد من المسؤولين في الحكومة الروسية.
لكن هذا الوضع طرح تساؤلات عما إذا كان بمقدور تيليغرام العمل بحرية في روسيا دون تقديم تنازلات للكرملين.
ورغم أن دوروف أدار ظهره علنا لروسيا، فقد سارعت الحكومة الروسية في الدفاع عنه بعد احتجازه. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، ماريا زاخاروفا، إن السفارة الروسية في باريس “بدأت العمل على الفور” بعد تلقيها نبأ المشكلات القانونية التي يواجهها.
وتقدر ثروة دوروف اعتبارا من 25 أغسطس بنحو 15.5 مليار دولار، ويحتل حاليا المرتبة 120 في قائمة مليارديرات فوربس.
الحرية تنطلق بعيدا..
وتمتد رؤية دوروف للحرية إلى حياته الشخصية أيضا.
وتقول عدة تقارير إنه غير متزوج ولديه خمسة أطفال من صديقتين سابقتين، لكن إنجاب الأطفال بالنسبة له امتد لما هو أبعد من ذلك.
وفي أحد منشوراته الأخيرة، كشف عن تبرعه بالحيوانات المنوية لإنجاب أكثر من 100 طفل في 12 دولة على مدى 15 عاما.
وأوضح في المنشور بتاريخ 29 يوليو أن هدفه من مشاركة هذه المعلومات هو المساهمة في إزالة الوصمة المرتبطة بالتبرع بالحيوانات المنوية، وكتب: “قيل لي للتو أن لدي أكثر من 100 طفل بيولوجي. كيف يكون هذا ممكنا لرجل لم يتزوج أبدا ويفضل العيش بمفرده؟”
وقال: “قبل 15 سنة، طلب مني أحد أصدقائي طلبا غريبا. قال إنه وزوجته لا يستطيعان إنجاب أطفال بسبب مشكلة في الخصوبة، وطلب مني التبرع بالحيوانات المنوية في عيادة حتى ينجبا طفا. ضحكت كثيرا قبل أن أدرك أنه كان جادا للغاية “.
ويضيف أن مدير العيادة قال إن “من واجبي المدني التبرع بمزيد من الحيوانات المنوية لمساعدة المزيد من الأزواج بشكل مجهول”.
وأشار إلى أنه ساعد أكثر من 100 من الأزواج، في 12 دولة، على إنجاب الأطفال.
ورغم توقفه عن التبرع، ل اتزال إحدى عيادات التلقيح الاصطناعي تحتفظ بحيواناته المنوية المجمدة لاستخدامها.
وأعلن في المنشور عن نيته جعل حمضه النووي “مفتوح المصدر حتى يتمكن أطفالي البيولوجيون من العثور على بعضهم البعض بسهولة أكبر”.
وقال إنه “أراد المساعدة في إزالة وصمة العار من مفهوم التبرع بالحيوانات المنوية وتحفيز المزيد من الرجال الأصحاء على القيام بذلك، حتى تتمكن العائلات التي تكافح من أجل إنجاب الأطفال من الاستمتاع بمزيد من الخيارات”.
كم جنسية يحملها؟
وتوضح بلومبيرغ أنه أنشأ تيليغرام في برلين قبل الانتقال إلى دبي في 2017، وهناك افتتح مقر تيليغرام في المدينة في العام ذاته.
وأوضح أن قرار الانتقال إلى الإمارات بسبب الإعفاءات الضريبية و”عدم الرغبة في العمل للحكومة 180 يوما في السنة”، في إشارة إلى رفض دفع الضرائب بنسب مرتفعة في دول أخرى.
وتشير تيليغرام على موقعها الإلكتروني إلى أن مؤسسها يحمل “جنسية مزدوجة لدولة الإمارات وفرنسا”.
وكشفت فوربس وبلومبيرغ في 2022 أنه حصل على الجنسية الإماراتية في فبراير 2021 بعدما أقام في دبي منذ 2017. وحصل على الجنسية الفرنسية أيضا في 2021.
وتقول فوربس إن الجنسية الإماراتية هي الرابعة التي حصل عليها الملياردير الروسي، بعد جنسيات “روسيا، وجزر سانت كيتس ونيفيس، التي تقع في منطقة البحر الكاريبي، وفرنسا”.
وقال مصدر المقرب من دوروف لفوربس: “بالنسبة للسفر ورحلات العمل، يستخدم دوروف جوازي السفر الإماراتي والفرنسي”. وأوضح أن “جواز سفر سانت كيتس ونيفيس كان مناسبا فقط في السنوات الأولى بعد هجرة دوروف من روسيا”.
وأضاف: “بافيل لا يسافر إلى روسيا ولا يمتلك أي أصول في هذا البلد منذ ثماني سنوات، وليس لدى تيليغرام مكاتب أو موظفين في روسيا، وجواز سفر دوروف الروسي انتهت صلاحيته بالفعل”.
وفي فبراير 2021، التقى دوروف ولي عهد دبي، حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، وأشار دوروف خلال اللقاء إلى أن “البيئة الحاضنة للشركات الناشئة، والبنية التحتية المتطورة، والتشريعات الملائمة للأعمال التجارية التي تقدمها دبي، جعلت منها مركزا للمواهب ورواد الأعمال الذين يسعون للانطلاق إلى العالمية”، وفق تقرير سابق لوكالة الأنباء الإماراتية الرسمية “وام”.
وأعرب دوروف عن تقديره لـ “رؤية المجتمع التكنولوجي الديناميكي” التي شكلها حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد، التي ساهمت في تطوير الابتكار وريادة الأعمال “أبعد من” المدينة.
وقال ولي عهد دبي في ذلك الوقت: “قررت بعض الشركات الرقمية الأكثر إثارة للاهتمام والأكثر نجاحا في العالم، مثل تيليغرام، تشغيل مؤسسات من أراضي الإمارة”.
وقالت وزارة الخارجية الإماراتية، الاثنين، إن الإمارات قدمت طلبا إلى فرنسا لتقديم جميع الخدمات القنصلية لدوروف الذي يحمل جنسيتها.
ومع وجوده في دبي، فإن التطبيق حمى نفسه من قواعد المحتوى للدول، في الوقت الذي تضغط فيه الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي على المنصات لحذف المحتوى غير القانوني.
ووفق السلطات القضائية، لم يتخذ دوروف تدابير للحد من إساءة استخدام مشتركين لتطبيق المراسلة، خصوصا عدم اعتماد آلية للحد من المحتوى المتطرف والتعاون مع المحققين.
وقال مصدر مقرب من الملف إن توقيف دوروف تم تمديده إلى الأربعاء، ليبلغ ما مجموعه 96 ساعة، لأن الأفعال المشتبه بها ترقى إلى الجريمة المنظمة.
من جهته، ندد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون بـ”معلومات كاذبة” تطال فرنسا على خلفية التوقيف، لافتا إلى أن بلاده “متمسكة إلى أقصى حد بحرية التعبير والتواصل والابتكار وروحية المؤسسة. وستبقى كذلك”.
وأوقف دوروف، الذي كان يرافقه حارسه الشخصي ومساعدته، السبت، في مطار بورجيه (شمال باريس).
ووصل دوروف إلى باريس قادما من العاصمة الأذربيجانية، باكو، وكان يعتزم تناول العشاء في العاصمة الفرنسية.
وأودع الملياردير الحبس الاحتياطي في إطار تحقيق قضائي فتحته الهيئة القضائية الوطنية لمكافحة الجريمة المنظمة (جونالكو)، في 8 يوليو يتصل بـ12 جريمة، وفق بيان للمدعية العامة في باريس، لور بيكو.