سوزان المحمود – الناس نيوز ::
قَدَمَ معرض “ما وراء الألوان 3″، في سورية وهو عبارة عن ملتقى ثقافي إبداعي عابر للانتماءات، يعمل على السلم الأهلي، من خلال تعزيز ثقافة الحوار والبوح بين مكوّنات المجتمع السوري في مدينة حمص وسط سورية ،
ويحرص المعرض على التعافي من مخلّفات الحرب النفسية، عبر الفن والتقارب الاجتماعي والروحي لمعظم المشاركين في المشروع ولجمهور المتلقّين.
يقول كمال عوض مدير مشروع هارموني لجريدة الناس نيوز الأسترالية
” بدأ تجهيز المشروع في سنة 2018 افتتحناه رسمياً 12/5/2019، يعمل المشروع على بناء السلام من خلال الفن وتمكين الشباب، والهدف الأساسي منه تأمين مساحات آمنة لشباب إن كانوا موهوبين أو كان لديهم ما يقدّمونه وتمكينهم، والمشروع الذي ننفّذه الآن، هو سلسلة لبرنامج لمدّة ثلاث سنوات اسمه ما وراء الألوان1 و2 و3 نسبةً إلى عدد السنوات، في السنة الأولى كانت هناك مجموعة من التدريبات المجتمعية والفنية، اشتغلنا فيها بقلب مدينة حمص وريفها، مثل بلدة مسكنة و بلدة فيروزة.
في السنة الثانية، قمْنا ببناء مخيّمات سلام، ودرّبنا 150 شابّاً وشابّة في مدينة حمص من جميع طوائف حمص ومعظم حاراتها، قدّمنا مسرح ورسم وتصوير وغرافيك ديزاين، وكتابة تدوين، وخلال فترة المخيّمات، قمْنا بالتدريب مع الدكتور سليمان كاسوحة حول التواصل اللاعنفي وبناء السلام”.
يتابع عوض للناس نيوز “بعد هذه المخيّمات، قمْنا بمجموعة من التدريبات مع الشابّات والشبّان أنفسهم؛ لنتمكّن من اختيار المواضيع التي سنعمل عليها، وتمّ اختيار ما بين فريق هارموني والمشاركين الآخرين 150مشاركاً، عملوا على ثلاث قضايا: وهي تنشئة الأطفال، ونبذ التعصّب، والصحة النفسية، وقدّموا أعمالاً فنية للإضاءة على هذه القضايا، منها مسرحيات وتأليف أغنيات وتلحينها، بالإضافة إلى الأعمال الفنية الأخرى.
وبالنسبة لهذه السنة، يقول عوض للناس نيوز: ” في هذه السنة “ما وراء الألوان”، كنّا نعمل على الإنسان وفرادته أو العائلة. أخذنا عشر قصص؛ 8 من مدينة حمص، وقصّة من مدينة رأس العين، وقصّة من مدينة طرطوس، والأشخاص قصّوا قصصهم، وكتبوها بأيدهم بعد تدريب على الكتابة، في ورشة للكتابة الإبداعية مع الكاتبة والقاصة سلوى زكزك.
ثم سُلّمت هذه القصص التي دُوّنت بمساعدة كُتّاب وكاتبات لمجموعة من الفنانين، وهم مؤلّفون موسيقيون ورسّامون ونحّاتون وغرافيك ديزاين، ليشتغلوا أعمالاً فنية مستوحاة منها، وجميعها أصبحت الآن على “الويب سايت”، باللغتين الإنكليزية والعربية مع الأعمال الفنية الخاصّة بكل واحدة منها، لكن المقطوعات الموسيقية لم تُنشرْ حتى الآن، لأنها لم تُسجّل في استديو بعد، لكننا قدّمناها “لايف” في هذا المعرض أمام الجمهور”.
بالنسبة للقصص المُخبّأة في الخيم، كل خيمة فيها قصّة تروي قصّة الإنسان العادي البسيط الأعزل أمام الحرب وتداعياتها، قصص مليئة بالمرارة والألم الفردي والجمعي الذي عانى ويعاني منه السوريون جميعاً.
القصص العشر كانت “منام مؤقت”، “متل زهر البيلسان”، “الأزرق”، “الجناحان”، “لوحة خاصة”، “كان يا ما كان حمص”، “أحقاً قام!”، “قوة بالفطرة”، “ليلة عيد”، “هارموني”.
تتحدّث قصّة “منام مؤقت”، تدوين الكاتبة ليلى الهاشمي، عن سقوط قذيفة على حي شعبي، وعن تجربة شخص فقد حركة ذراعه الطبيعية، إثر إصابته بشظية قذيفة أودتْ بحياة عدد من المدنيين، وعن رحلة إنقاذه ومسيرة اليأس والأمل لاستعادة ذراعه والأمل بالحياة، وعن عزلته، ثم إعادة اندماجه في الحياة الاجتماعية.
بينما تتحدّث قصّة “متل زهر البيلسان”، للسيّدة سلوى الأقرع، عن تجربتها كأمّ مع عائلتها الصغيرة المليئة بالحب لأفرادها ولمدينتها ووطنها، كانت تحلم بمستقبل آمن لولديها الشابين الوسيمين، سيّدة قامت وزوجها مهندس الديكور الفنان وولداها ببناء بيت في غاية الجمال في ريف حمص من أجل الأولاد والأحبة والأصدقاء، لكن بسبب الحرب اضطرّت الأمّ والأب لتسفير ولديهما، لكي يمنعا مشاركتهما في الحرب الطاحنة، والتي لا يؤمنان بها. لكن الأبوين يبقيان معظم الوقت يتحسّران على ابنيهما، وعلى الشباب والشابّات الذين غادروا الوطن، وعلى ما حلَّ بالبلاد، ويعانيان من الوحدة والقهر في بيت كبير فارغ عُمِّرَ ليحتفل بالحياة وبالحب.
لكن في قصّة “كان يا ما كان حمص”، تبدأ مشاهد القصّة بوصف نهار عائلة تحت القصف والقذائف، تُروى القصّة بتقنية الأصوات المتعددة؛ أولاً بصوت الطفلة، ثم بصوت الأب ثم الأمّ، قصّة مؤثّرة جداً.
عن تهجير عائلة بسبب العنف، تبدأ بلسان الطفلة التي ترى كل شيء بمنظار طفولتها، كل ما يحدث غير مفهوم بالنسبة لها، تبدأ بمشهد نهار ملكي بلسان بريء، لكنه ساخرٌ، سخرية مغلّفة بالألم ودهشة الطفولة، وتنتهي بلسان الأمّ التي تغادر بيتها بطلب من زوجها لحماية العائلة إلى مكان أكثر أماناً، ثم تعود لتفقّد المكان، فتجد مَنْ احتلّه، وانتهك حرمة البيت المهجور وذكريات عائلتها، فتهلع في البداية، ثم تستسلم للأمر الواقع، بينما يأتي صوت الأب في الوسط، الذي خرج في إحدى المرّات مضطرّاً؛ ليُحضر طعام عائلته مع جاره لكنه يعود على جثث آخرين، يقع بين أمرين مروّعين: إحضار الطعام أو الموت جوعاً، فيقرّر بعدها مغادرة المدينة.
في قصّة “أحقا قام!”، للكاتب إلياس هزيم، تُروى القصّة بصوت شابّ في سن التجنيد الإجباري يوقفه حاجز على الطريق ويأخذه للقتال، وكان يحلم بالسفر لبناء مستقبل مغاير لِمَا ينتظره في الواقع، يخوض معارك ويخسر رفاقه، ويفقد من حياته عشر سنوات طويلة انتهت بتحطيم جسده وروحه، وكادت تذهب بعقله، لكنه استعاد نفسه بفضل قوة إيمانه بالحياة، حال عدد كبير من الشباب الذين دمّرت مستقبلهم الحرب.
في قصّة “قوة بالفطرة”، للكاتبة هيا الفحام، وتُروى على لسان صبية صغيرة تفقد والدها الذي تحبه إثر نوبة قلبية، وتحاول الصمود مع والدتها الحزينة المكلومة، لكنها تروي فيما بعد ألمها الخاصّ، إثر تعرضها لتحرش جنسي من أحد أفراد العائلة الذكور الكبار، وعن رغبتها في تجاوز هذه الآلام التي لا تجرؤ على البوح بها داخل عائلتها، لكنها تحاول حماية نفسها والمضي قدماً في الحياة.
في قصّة “الأزرق”، تتحدّث أمّ عن تجربتها المريرة مع طفليها الصغيرين وخاصّة طفلها مريض التوحّد، وعن رحلتها المضنية وتغير دروب حياتها وعائلتها بألم شديد، وكيف قرّرت تجزئة العائلة التي سافرت إلى بلاد بعيدة لتتمكن من إعالتها، وكيف تسبب هذا الأمر بمرض ابنها الصغير، ومعاناته الشديدة بسبب إبعاد أخيه عنه، ثم قرار العودة للوطن، وبدءُ رحلة شاقة من المعاناة والصراع مع هذا المرض المُضني. تُروى القصّة بلسان الأمّ التي اختارت طريق الكفاح والاستمرار رغم كل شيء من أجل صغيرها الذي أنهى علاجه، وعاد ليندمج بالمدرسة مع أخيه ورفاقه، وكيف تمكّن ابنها مريض التوحّد أن يعيل نفسه، وأن يموّل جلسات علاج 44 طفلاً آخرين يعانون من التوحّد، بعمله الفني الصغير الذي ساعده على تجاوز مرضه.
في قصّة “الجناحان” للكاتبين بشار رحمة وعلاء الغربي، يتحدّث أخ عن أخويه التوءم اللذيْن يصغرانه بسنوات؛ كيف وُلدا وشبَّا، وكيف كانا يحلمان بالسفر والهرب من واقع البلاد المؤلم، وكيف قُتِلا مع عدد من الأشخاص بصاروخ وقع في حيّهم، وكيف تعامل هذا الأخ الذي سافر بعد الفاجعة بسنوات مع الأمر، وكيف أنه لم يتجاوز محنته التي تسبب بها عنف الحرب، وقسوتها التي مزّقت عائلات، وأحياء وشبان وأطفال لا ذنب لهم في شيء سوى أنهم وُلدوا هنا في هذه البقعة الجغرافية من العالم.
في قصّة “ليلة عيد” للكاتبة سندس زنكاوان، تتحدّث شابّة 24عاماً عن فقدها لأمها ليلة العيد، بعد أن قام بقتلها مراهقون ثلاثة، قصّة لا يكاد عقلها يستوعبها، ويوجّهون أصابع الاتهام للابنة لأنها سبقت والدتها إلى السوق لتشتري حاجيات العيد، وقبلها كان والدها قد توفي في غرفة العزل في المستشفى بسبب فيروس الكورونا، بينما أخوتها في الخارج بعيدون عن كل شيء هنا، وهي شابّة، والداها بالنسبة لها كانا كل شيء في حياتها، لكن ورغم الألم والمرارة التي مرّت بها تبقى ممتنة لكل مَنْ ساندها من الناس الطيّبين.
وفي قصّة “لوحة خاصة”، تتحدّث شابّة عن انتقالها القسري من مدينتها البعيدة إلى مدينة حمص، وعن اغترابها، وتنمّر زميلاتها عليها في صفّها الدراسي الجديد، وعن مشاعرها الحزينة وغربتها داخل وطنها، ثم عن فنها ورسمها وتأقلمها رويداً رويداً، وحبّها لمدينة حمص رغم كل شيء. القصّة من تدوين الكاتبة آية عبدالله فاطي.
في قصّة “هارموني” سردٌ لقصّة المشروع، وكيف تمكّن فريق هارموني من إعادة ترميم بيت عربي أثري قديم في حمص كانت قد دمّرته الحرب، وعن فرحة الإنجاز بإعادة تأهيل البيت، ليحتضن مجموعة من الشابّات والشبّان الواعدين من مختلف النسيج السوري، ولتبدأ رحلتهم في نسج قصصهم ونشاطاتهم وتفاعلهم الاجتماعي والثقافي والفني، لِيُزهر عن معرض “ما وراء الألوان3″، وليساعد الأشخاص على تجاوز محنة الحرب التي ترسّبت في أعماقهم، ويعيدهم لحياتهم الطبيعية، القصّة بلسان البيت تروي بلغة شفيفة وعذبة قصّته وقصّة أبنائه وبناته، وسعادته، بإعادة الحياة إلى جدرانه ونوافذه ونباتاته بعد سنوات من الإهمال القسري.
سبعة أشهر من العمل الجاد المضني بأيدٍ صغيرة شابّة، كانت نتيجتها مذهلة مفعمة بالأمل والحياة والحب. رمّمتْ هذه الأيدي الشابّة جراح المدينة، وسمحت للناس كل الناس بزيارة هذا البيت الحاضن للحب والتفاهم والأمل.