د. أمير سعادة – الناس نيوز ::
صدر مؤخراً كتاب جديد عن حياة الرئيس السوري الراحل أديب الشيشكلي، للمؤرخ المرموق سعد فنصة والسيد بسام البرازي، حمل عنوان “أديب الشيشكلي: الحقيقة المغيبة”.
صدر الكتاب عن دار رياض نجيب الريّس في بيروت، صاحب التاريخ الطويل في نشر سير ومذكرات عدد كبير من الشخصيات السورية.
الكتاب الجديد ليس هو الأول عن حياة الشيشكلي، فقد سبقه كتاب “من أسرار الشيشكلي” لنديم أبو إسماعيل، صادر سنة 1954 بعد أشهر قليلة على سقوط حكم الشيشكلي في سوريا، وقد قدّم له يومها الأمير حسن الأطرش، أحد قادة المعارضة ضد حكم الرئيس السوري الراحل.
وفي الثمانينيات، نُشر كتاب ثان في دمشق بعنوان “أديب الشيشكلي: البداية والنهاية” للصحفي السوري هاني الخيّر، تلاه سنة 2012 كتاب ثالث بعنوان “الانقلاب العسكري الثالث في سوريا” للصحفي مازن صباغ.
أهمية الإصدار الجديد هو لجوء المؤلفين فنصة والبرازي إلى آلاف الوثائق الأمريكية المتعلقة بفترة الشيشكلي، سواء حكمه غير المباشر (ديسمبر/كانون الأول 1949 – يوليو/تموز 1953) أو خلال تواجده في سدّة الرئاسة (يوليو/تموز 1953 – فبراير/شباط 1954).
وفي الكتاب الجديد نجد الكثير من التفاصيل عن حياة الشيشكلي المبكرة، وعن أسرته، وقد وثقها السيد بسام البرازي، ابن أخت الرئيس الشيشكلي الذي عرفه عن قرب وتراسل معه خلال سنوات تواجد الأخير في منفاه الطويل.
ولكن أهم ما جاء في كتاب السيدين فنصة والبرازي هو الاتهام الواضح لوزير الدفاع الأسبق حمد عبيد، أحد قادة حزب البعث، بتصفية الرئيس الشيشكلي في البرازيل يوم 27 سبتمبر/أيلول 1964.
قصة نواف غزالة .
المعروف جيداً أن الشيشكلي قتل مغدوراً في منفاه الدائم في البرازيل، بعد عشر سنوات ونيف على مغادرته الحكم في سوريا. وقد سلّم القاتل نفسه للسلطات البرازيلية، وهو درزي سوري ، كان شاباً آنذاك ، وهو من قرية مَلحَة في محافظة السويداء يُدعى نواف غزالة.
احتفل به الموحدون الدروز كثيراً، يومها، معتبرين أنه ثأر لهم ولطائفتهم، بعد أن كان الشيشكلي قد قصف مدنهم وقراهم قبل مغادرته الحكم سنة 1954.
وعند هروبه من سوريا كان الشيشكلي قد لجأ بداية إلى لبنان، ولكن سرعان ما توجه إلى السعودية عند تهديد الزعيم اللبناني الدرزي كمال جنبلاط باغتياله لو بقي على الأراضي اللبنانية.
وعند وفاة نواف غزالة عام 2005، خرج آلاف الدروز في استقبال نعشه القادم من البرازيل، المجلل بالعلم السوري ( فعلتها سلطات نظام الأسد ) ، وأشار إليه الزعيم اللبناني وليد جنبلاط بإعجاب في إحدى خطاباته.
وقد أثار هذا الموقف استغراب الكثير من السوريين يومها، كيف يتم الاحتفال بمجرم مدان بمقتل رئيس جمهورية!!؟
الكتاب الجديد يوضح أن نواف غزالة كان مقرباً من أديب الشيشكلي وأن يده رجفت لحظة الاغتيال “كما لو أنه يُهم بقتل أحد أصدقائه”.
البعض قال إنه خاطب الرئيس قائلاً: “هذه من سلطان باشا الأطرش”، وهو كلام غير دقيق وغير موثق. المؤكد الوحيد هو أن نواف غزالة قتل الرئيس ثأراً لشهداء جبل الدروز، وهنا تدخل فرضية وقوف الوزير حمد عبيد خلف عملية الاغتيال، وهو درزي أيضاً مثل نواف غزالة، شهد مجزرة جبل الدروز سنة 1953، عندما كان في الخامسة والعشرين من عمره، وظل ناقماً على الشيشكلي بسببها.
من هو القاتل حمد عبيد؟ .
ولمن لا يذكر حمد عبيد، فهو من مواليد عام 1928، وكان والده نايف أحد شهداء الثورة السورية الكبرى، التي قادها سلطان باشا الأطرش ضد الفرنسيين خلال السنوات 1925-1927.
كان حمد عبيد معجباً بالرئيس المصري جمال عبد الناصر، وقد التحق باللجنة العسكرية لحزب البعث، التي شكّلت في زمن الوحدة السورية المصرية (1958-1961).
عارض انقلاب الانفصال يوم 28 سبتمبر/أيلول 1961 وتم اعتقاله في نيسان 1962 للضلوع في محاولة انقلاب ضد الرئيس ناظم القدسي.
ظلّ سجيناً حتى انقلاب 8 مارس/آذار 1963، الذي أوصل البعثيين إلى الحكم، وفي 30 يونيو/حزيران 1963، كلّف بتأسيس وقيادة الحرس القومي، لحماية “الثورة” من أعدائها.
كما تسلّم قيادة اللواء السادس عشر وأصبح عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث. من هذه المواقع الحساسة، شارك في قمع ثورة الإخوان المسلمين في مدينة حماة أبريل/نيسان 1964، التي قادها مروان حديد ضد دولة البعث.
وأمر حمد عبيد بقصف مدينة حماة بالمدافع وتعامل مع الحمويين بعنف مفرط، ما اعتبره المؤرخ الهولندي نيكولاس فان دام انتقاماً من المدينة التي أنجبت أديب الشيشكلي، ودعمت حملته العسكرية على جبل الدروز قبل 11 سنة.
وفي 23 سبتمبر/أيلول 1965، سمّي حمد عبيد وزيراً للدفاع في حكومة الدكتور يوسف زعيّن، التي استمرت لغاية 27 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.
شارك في انقلاب اللواء صلاح جديد على الرئيس أمين الحافظ يوم 23 فبراير/شباط 1966، وكان يرغب بأن يُعاد تسميته وزيراً للدفاع، ولكن اللواء جديد أسند هذا المنصب الحساس للواء حافظ الأسد، ما جعل عبيد ينتقل إلى صفوف المعارضة.
حاول تنفيذ انقلاب معاكس ضد صلاح جديد، فتم اعتقاله ومحاكمته، ليُحال بعدها على المعاش ويتم تسريحه من كافة المناصب الحزبية والعسكرية.
وقد توفي حمد عبيد في مستشفى الباسل بمنطقة دمر في 5 يونيو/حزيران 2005، أخذاً معه جميع أسراره إلى القبر.
إحدى هذه الأسرار كُشف عنها اليوم في كتاب “أديب الشيشكلي: الحقيقة المغيبة”، نقلاً عن الضابط مناف الهندي الذي كان يعمل بالسفارة السورية في البرازيل خلال مرحلة الستينيات.
يقول الكتاب أن مناف الهندي اجتمع مع حمد عبيد بعد تسريحه سنة 1967 في منزل المحامي سعيد السيد (محافظ حمص خلال فترة الشيشكلي وشقيق القيادي البعثي جلال السيد).
سأله الهندي عن حقيقة مقتل الشيشكلي من قبل الدروز، وكان جوابه: “نعم صحيح…نحن من أمرنا بتصفية أديب الشيشكلي. وأردف بثقة واعتزاز: “نحن كطائفة وأقلية لن نسمح لأحد باضطهادنا… أديب الشيشكلي اضطهدنا ووجب علينا أن نمنع ما قد يُعرضنا لأي أخطار محتملة في المستقبل، وأن نُغلق الباب على أي حركة أو سلوك من شأنه اضطهاد الدروز”.
وأضاف: “أنا الذي أمرت بقتله… ولا أخشى بذلك لومة لائم ولا أتهيب البوح به، بل أنا أفتخر”.