د . أحمد برقاوي – الناس نيوز ::
كان المجتمع السوري بالأصل جسداً أوسع بكثير وأكبر من السلطة الأسدية، بل كانت الأسدية قميصاً ضيقاً جداً على هذا الجسد.
فصار الشغل الشاغل للأسدية كيف يمكن أن تجعل المجتمع السوري على قدر القميص.
فكان القمع والفساد وتحطيم الهوية الوطنية، والقضاء على السياسة. والوسائل التي استخدمتها أجهزة القميص الضيق لتحقيق كل هذ هي: أجهزة المخابرات، أجهزة الجيش، أجهزة الأيديولوجيا. وهذا يعني تحطيم الدولة. فعاشت سوريا، كما هي الآن: سلطة بلا دولة.
لكن الحركة الموضوعية وشبه القانونية للتاريخ عصية على التحكم بها من حراس قميص ضيق جداً جداً عليها، ومن المحال أن يمنعها من أن تمزق القميص.
فعلى الرغم من كل حرّاس الأسدية بوصفها قميصاً ضيقاً وذا ألوان قبيحة قام المجتمع في حركة شبه عفوية بتمزيق هذا القميص.
وقد حالت قوى خارجية دولية، وميليشيات طائفية، وغياب الخبرة السياسية للقوى التي مزقت القميص، وبروزت القوى الأصولية بقميصها القديم، حال كل هذا من خياطة قميص جديد على قياس المجتمع السوري.
فصار لدينا: قميص عتيق ممزق جداً، وقماش قميص بلا خياط.
وهذا ما دفع القوى التي حالت دون ولادة الجديد إلى القيام بتحقيق هدف مستحيل تحققه ألا وهو: ترقيع القميص الممزق ببعض من قماش القميص الجديد الممكن.
وتكمن استحالة تحقيق هذا الهدف في سببين: السبب وإن القميص الذي تمزق إلى الحد الذي صار فيه غير قابل للترقيع، والسبب الثاني إن أصحاب القميص الممزق لا يمكنهم القبول بقميص مرقع بقماش لم ينسجوه، خوفاً من أن يأتي الترقيع على ما تبقى من القديم.
فضلاً عن هذا وذاك، فإن الإرادة الخارجية التي صارت داخلية بجيوشها ومليشياتها التابعة لها ذات مواويل مختلفة وأهداف متناقضة. إيران جيشها ومليشياتها، تركيا جيشها ومليشياتها، أمريكا جيشها ومليشياتها وروسيا وجيشها ومليشياتها.
وهكذا تكون المأزق التاريخي المعاش.
فالصراع بين أصحاب قميص قديم وهمي للقوى النكوصية، من جهة، وأصحاب القميص الممزق غير القابل للترقيع من جهة ثانية، صراع زائف، لأنه ليس صراعاً بين متناقضين، وإنما هو صراع بين متشابهين.
وسؤال القوى الخارجية بجيوشها ومليشياتها ليس هو سؤال قوى الثورة الديمقراطية، ولا هو بسؤال أصحاب القميص الممزق، سؤال الخارج هو: ماذا نريد من سوريا، وليس سؤالها: كيف نبني سلطة وطن، بل كيف نؤسس لسلطة وظيفة كسلطة القميص الممزق.
ولا يمكن الخروج من هذا المأزق إلا ببناء إرادة داخلية وطنية ديمقراطية منظمة تقودها نخبة زاهدة صبورة تراكم كفاحات الإرادة الداخلية للوصول إلى الهدف المنشود: قيام السلطة المطابقة المجتمع، الدولة.