د . أمير سعادة – الناس نيوز ::
يقول المثل العربي: “من عاشر قوماً أربعين يوماً صار منهم”، فما بالكم إن كان المعشر قد دام 74 عاماً؟
ينطبق هذا الكلام على بعض السياسيين الإسرائيليين وهم يحضرون لخوض معركتهم الانتخابية المقبلة يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2022. باتت تصرفاتهم وأقوالهم تشبه العرب في كثير من الأمور والأحيان، حتى في طموحات بعض قادتهم، مع العلم بأن نظام الحكم في إسرائيل، شئنا أم أبينا، هو أكثر نضجاً وديمقراطيةً من كل الأنظمة العربية مجتمعة، والأكثر قدرة على تطوير نفسه في الشرق الأوسط .
في لبنان “الديمقراطي” مثلاً تكون “الديمقراطية” في التوافق على اسم رئيس الجمهورية المقبل قبل عقد جلسة انتخابه، عكس إسرائيل، حيث لا يزال التنافس في أشده بين رئيس الحكومة الحالية يائير لابيد والسابق بنيامين نتنياهو.
لنبدأ إذاً مع نتنياهو، الذي يحمل اليوم رسمياً لقب “زعيم المعارضة” في الكنيست الإسرائيلي، بعد أن خدم في رئاسة الحكومة مرتين، كانت الأولى ما بين 1996-1996، والثانية خلال السنوات 2009-2021. وكانت ولايته الأخيرة هي الأطول في تاريخ الدولة العبرية، جعلته زعيماً لمدة 12 سنة متواصلة، وهو يطمح اليوم بالحصول على 61 مقعداً داخل الكنيست (من أصل 120)، ليتمكن من العودة إلى الحكم للمرة الثالثة. وقد بنى حملته الانتخابية على ثلاثة أهداف: محاربة الإرهاب، استعادة الكرامة الوطنية، ومعالجة الأزمة المعيشية، متحالفاً مع أحزاب يمينية متطرفة مثل شاس وتعوم والليكود.
تحاول هذه الأحزاب تحويل الانتخابات إلى استفتاء جماهيري حول شعبية نتنياهو، ولو تمكنت من إدخال ورقة “نعم أو لا للزعيم الخالد” لما قصّرت بذلك أبداً.
تعتبر هذه الأحزاب بأن نتنياهو هو “باني مجد” إسرائيل المعاصرة، و”المدافع الأول” عن حقوق الشعب اليهودي، ويكاد خطابها المؤدلج لا يختلف كثيراً عن خطاب البعث في كل من سوريا والعراق. بالنسبة لها، كل من يخالف “بيبي” اليوم هو إما عميل للإرهاب (في إشارة إلى حزب الله وحماس) أو جاهل، لا يعرف مصلحة بلاده.
في شهر يوليو/تموز الماضي ظهر فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي للمرشحة عن حزب الليكود هايدي موزيس وهي تقلّد أنصار نتنياهو ميدالية ذهبية عليها صورته، جنباً إلى علم إسرائيل.
لا تختلف القلادة عن تلك التي ظهرت في عراق التسعينيات أيام صدام حسين، أو في ليبيا في عهد معمر القذافي ، أو قلادة الأسد الأب ووريثه . وعندما وجهت لها انتقادات وتهمة “عبادة شخصية” نتنياهو، ردت موزيس بالقول: “إذا كان بوسع ملكة إنكلترا أن تكون لها ميدالية مع صورتها، لمَ لا يحق لنتنياهو ذلك؟” وصفها يائير غولان، مرشح حزب ميرتس، بأنها “عبادة شخصية…عبادة الرأس المذهب”.
حزب الليكود لم يعتذر عن هذا التصرف، لا بل تبناه وقام بطرح هذه الميداليات للبيع على الإنترنت، بسعر 22.8 دولار للواحدة، مع صفها بأنها “رسالة” وليست مجرد ميدالية، وهذا الكلام يشبه “الرسالة الخالدة” لحزب البعث العربي الاشتراكي.
حزب العمل يمشي في ذات الطريق .
عبادة الشخصية (الدخيلة على المجتمع الإسرائيلي) لا تنتهي عند نتنياهو وحزبه، وهي بدأت تظهر في حملة وزير الدفاع بيني غانتس الانتخابية.
فقد علّق مناصروه صوراً عملاقة له في المرافق العامة والساحات، تحت شعار “Aharav” أو “اتبعوه”. هذا العبارة مأخوذة من كلمة “Aharai” (اتبعوني) التي يتم تدريسها من قبل ضباط الجيش في الكلية الحربية الإسرائيلية، وهي تُشير طبعاً إلى ماضي غانتس العسكري، لكونه كان رئيساً لأركان الجيش من 2011 ولغاية 2014.
وعندما حاولت بعض الأحزاب نسف فكرة “الرجل الواحد” والتركيز على برنامج عمل، لا على شخص واحد، واجهت تراجعاً كبيراً في استطلاعات الرأي المبكرة، لدرجة أن البعض شكك في قدرة حزب العمل على الوصول إلى عتبة الانتخابات.
وحزب العمل، كما هو معروف جيداً، هو أحد أقدم الأحزاب الإسرائيلية، يعود تأسيسه إلى سنة 1968. معظم قادة إسرائيل الكبار كانون أعضاء فيه، مثل غولدا مائير وإسحاق رابين وشيمون بيريز، وصولاً لإيهود باراك. ولكن الحزب اليوم يُعاني من ضعف شديد في قيادته العليا، بعد تولّي ميراف ميخائيلي زعامته.
فقد أبعدته عن الشارع وتحديداً عن شريحة الشباب، وفي أحسن الأحوال، لن يتمكن الحزب من الحصول على خمسة مقاعد في الانتخابات المقبلة، من أصل 120 مقعداً.
ميراف نفسها لم تعد صغيرة، وهي تبلغ من العمر خمسة وستين عاماً اليوم، ولكن تاريخها السياسي يبقى “متواضعاً”، عمره لا يتجاوز عشر سنوات. كانت تعمل كصحفية في إذاعة الجيش الإسرائيلي، ثم في جريدة هآرتس، لا خبرة لها في محاربة الإرهاب، أو في الدفاع عن حدود إسرائيل ووجودها.
كيف للناخب “الوطني” أو “المتطرف” أن يثق بها، مقارنة مع من سبقها في قيادة الحزب، مثل باريز ورابين، وهما من الآباء المؤسسين للدولة العبرية، خاضوا حروباً طاحنة من أجلها، أو بخصمها الحالي نتنياهو المهيمن على المشهد السياسي منذ قرابة الثلاثة عقود؟ نظراً لهذا الضعف، ولحاجة أنصار حزب العمل لفكرة ورمزية “القائد المؤسس” أو القائد الخالد” قررت قيادته العليا نفخ الروح في رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين، والخروج في مظاهرة كبيرة باسمه في الذكرى 27 لاغتياله. تصادف هذه الذكرى يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني، أو بعد موعد الانتخابات بثلاثة أيام، ولذلك، قرر الحزب جعلها يوم 29 نوفمبر/تشرين الأول، للاستفادة منها يوم الاقتراع.
كان الحزب في السنوات الماضية يحاول التخفيف من الذكرى ومن أرث رابين، لكي يفسح المجال أمام قادته الجدد للظهور ولكي يتحرروا جميعاً من هيمنة “الأب المؤسس”.
رفض الحزب في الماضي القريب تمويل احتفالات ذكرى مقتل رابين، ولكنه قرر رصد مبلغ محترم لأجلها هذا العام، لكي يكون “الأب المؤسس” حاضراً في عملية الاقتراع.
لا فرق إذاً بين عبادة حزب العمل لرابين والليكود لنتنياهو، وعلى الطريقة العربية، كلاهما صار اسمه ورسمه متماهياً مع تاريخ وحاضر ومستقبل حزبه، مثل تماهي رفيق الحريري مع تيار المستقبل، وميشيل عون من التيار الوطني الحر، وكل من صدام وحافظ الأسد مع بعث العراق وسوريا.
خوفاً من استجرار أنصار نتنياهو فعلاً إلى “عبادة الشخصية،” طرح وزير المال أفيغادور ليبرمان مشروع داخل الكنيست، يقضي بتعديل نسبة الأصوات المطلوبة لتشكيل أي حكومة، ورفعها من 61 إلى 90 صوتاً.
هذه النسبة، لو أقرت، ستكون مرتفعة جداً في مجلس تشريعي مؤلف من 120 مقعداً، وستتحول إلى عقبة كبيرة أمام طموحات نتنياهو المستقبلية. ففي سنة 2021، لم يحصد إلا 59 مقعداً، وهو اليوم، وهي أحسن الحالات، لن يفوز بأكثر من 61 مقعداً.
لكي يفوز بأغلبية ويشكل حكومة، يحتاج نتنياهو إلى أمرين: نسبة عالية من ناخبي اليمين، وتراجع ملحوظ لدى الناخبين العرب.
كان أحد أسباب فشله في الفوز بالأغلبية سنة 2021 هو أن نسبة التصويت العربي كانت في أعلى مستوياته، حيث بلغت 64.8٪. لوضع ذلك في المنظور الصحيح، بلغ إقبال الناخبين العرب 59.2٪ في عام 2019 و 63.5٪ في عام 2015.
وستعتمد نسبة إقبالهم في عام 2022 على عودة نتنياهو إلى السلطة أم لا. بالنسبة للكثيرين، لم تعد هذه انتخابات حول مستقبل إسرائيل، لكنها تتحول وبسرعة إلى استفتاء حول مستقبل نتنياهو.